القمة الاقتصادية العربية البريطانية: كلمة لورد أحمد
ألقى وزير شؤون الشرق الأوسط، لورد طارق أحمد، كلمة في القمة الاقتصادية العربية البريطانية لعام 2023 التي عُقدت في لندن.
صباح الخير، ولجميع ضيوفنا الذين ينضمون إلينا من جميع أنحاء الخليج، ومن جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونيابة عن الحكومة البريطانية، أهلاً وسهلاً بكم هنا.
كما فعلتْ زميلتي وصديقتي العزيزة، البارونة سيمونز، اسمحوا لي أنا أيضاً أن أهنئك. فأنت تقومين بكمٍّ هائل من العمل. وكثيراً ما تلحّ عليّ ليز بشأن أهمية هذه المؤسسة، وبدوري أؤكد أن وجودي هنا اليوم هو أيضا شهادة على مدى إدراكنا لأهمية هذا النوع من الاجتماعات في تعزيز علاقتنا على صعيد الحكومة والأحزاب، بل على صعيد البلد كله.
كما أهنئ الأمين العام أيضا، وأهنئ المنظمين، لأنه ليس لديكم أحمد واحد فقط على المنصّة، فحين تجولون بنظركم عبر المنصة، أعتقد أنكم ستشاهدون ثلاثة يحملون هذا الاسم، بمن فيهم الأمين العام لجامعة الدول العربية. من هنا نرى أن هناك قدرة تنظيمية وإمكانات كبيرة قد استثمرها الفريق.
وإذ نجتمع هنا هذا الصباح بروح من الصداقة والتعاون، فإنني سأشعر بأنني مقصّر، وفي الواقع سنكون كلنا مقصرين، إذا لم نبدأ بالتفكير بما يحدث الآن في أنحاء إسرائيل وغزة، بل وللأسف في الضفة الغربية أيضاً.
إن شدة ما يجري هناك تنعكس على مستوى المناقشات. فقد عدتُ للتو من البحرين التي نظمت حوار المنامة. وإدراكاً للدور المهم الذي تلعبه البحرين في هذا الصدد، فقد طغت الأحداث في الشرق الأوسط على حوار المنامة – وكنت أنا والأمين العام الموجود هنا في نفس اللجنة. ومن المنامة توجهت بعد ذلك سريعاً إلى الدوحة، حيث تجري هناك محادثات مهمة، وقد تمكنت من الحديث مباشرة مع وزير الخارجية القطري وفريق القيادة هناك. وأنا أدرك وأقدر مرة أخرى الدور الحيوي الذي تلعبه قطر في هذا الوقت المهم.
ولسد هذه الفجوة بالذات، يتعين علينا أن نواصل إحراز تقدم. فالمعاناة في غزة مستمرة منذ فترة طويلة جداً. ولا يمكن لأحد أن يفهم الألم والمعاناة فيها إلا إذا تعرض للوضع هناك بشكل مباشر. ولقد زرت إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة قبل 10 أو 11 يوما، وشاهدت بنفسي مباشرة التحديات التي يواجهها الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة. إن من الصعب حقا استيعاب الخسائر في أرواح الفلسطينيين الأبرياء. من نساء. من الأطفال.
ليز، لقد تحدثت عن مدى امتناننا، ولكننا ندرك أيضا قوة تمثيل السفراء لدى المملكة المتحدة. حيث يمثلون بالفعل نخبة السفراء، إذا جاز لي التعبير بهذه الطريقة. وبالنظر إلى الحاضرين أمامي، أستطيع أن أرى ثلاثة من أصدقائي الرائعين، سفراء مصر والأردن والكويت يجلسون هناك، وأنا متأكد من أن هناك آخرين هنا أيضا.
شكرا لكِ على كل ما تفعلينه، لأنه من المهم في هذا الوقت أن تكون محادثاتنا صريحة وصادقة حين تكون لدينا وجهات نظر مختلفة. ولكن ندرك جميعا أن الهدف الذي نسعى إليه في نهاية المطاف هو السلام في الشرق الأوسط.
وأود أن أكون واضحا للغاية – وأن أجعل الموضوع شخصيا للغاية، وأن أحدثكم كمسلم، إذا سمحتم لي: إن أي عمل إرهابي يقوم به أي شخص، في أي مكان، بما في ذلك ما ارتكبته حماس، يتنافى مع كل معاني إنسانيتنا المشتركة، ويتنافى مع كل معاني الدين الذي أعتنقه، بل في الواقع يتنافى مع أي دين أو معتقد حول العالم. ولكن بالقدر نفسه، يجب علينا الآن أن نركز ونضمن وضع حد لمعاناة شعب غزة.
وفي هذا الصدد، أود أن أشيد بشكل خاص بصديقي العزيز منار الدباس، الذي يقوم بدور رائع كسفير للأردن، على العمل الذي يؤديه الأردن. وأدرك أيضا من خلال سفير مصر - وأشكرك مرة أخرى شريف على كل ما تفعله - الدور الذي تلعبه مصر حاليا في توفير بصيص من الأمل عبر معبر رفح.
وأنا لا أقدم أي أعذار أو أي اعتذار لتركيز تعليقاتي الأولية على تلك الأحداث بالذات، لأننا يا أصحاب السعادة، وأصحاب السمو الملكي، وأيها الأصدقاء، إذا لم نتناول هذه القضية المركزية والمحورية، فلن نرى تقدما وسنعود إلى نفس الوضع مرة أخرى.
خلال فترة عملي الحالي كوزير لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ينصبّ تركيزي كل يوم، وفي كل ذرة من جهدي، وكل ما نسعى إلى القيام به، على محاولة إحداث نقلة في هذا الحوار. فالسلام ليس مستحيلا. إنه الطريق الصعب أمامنا، لكن أتدرون: لا ينبغي لنا أن نفقد الأمل أبدا.
يجب علينا أن نصلي ونعمل بكل ما أوتينا من قوة - وبكل ما لدينا في أي دور لنا في الأعمال التجارية، في المنظمات غير الحكومية، في الدبلوماسية، في السياسة، وأيا كنا، وأينما كنا - للقيام بدورنا محاولين تحقيق هذه الرؤية من أجل سلام دائم ومستدام.
سيداتي وسادتي، أصحاب السعادة، رغم صعوبة الابتعاد عن تلك القضايا بالذات، إلا أننا ندرك أيضا، وهو أمر مهم، أن مناقشاتنا هنا اليوم ستركز على العديد من القضايا المهمة مثل الذكاء الاصطناعي. والواقع أن رئيس الوزراء استضاف قبل بضعة أسابيع فقط مؤتمرا دوليا هاما حول هذا الموضوع. وكان وزير الخارجية السابق هو الذي طرح الأمر في الأمم المتحدة كقضية إشكالية مهمة.
ولكن لسنا وحدنا هنا. فسواء في التجارة أو الصحة، وسواء في الأمن أو التمويل، نحن نعمل معا في معالجة التحديات التي نواجهها. وأحد هذه التحديات بالذات تلك التي ركزت عليها فعلا، ولكن أيضا التحديات العديدة المتعلقة بالمناخ، والتي نواجهها جميعا معاً، غير أن الأهم من ذلك هو مواجهتها معكم جميعا. إن الأشخاص هم يحتلون الأهمية في إطلاق الإمكانات والفرص الهائلة التي تنتظرنا.
وبينما كنت أفكر فيما سأقوله هذا الصباح، خطر لي ما جرى في الأسبوع الماضي تحديدا على سبيل المثال، فقد استضفت الحوار الاستراتيجي بين المملكة المتحدة والجزائر إلى جانب صديقي العزيز، وزير الخارجية أحمد عطاف، حيث ركزنا على الفرص المتاحة لتعزيز علاقتنا التجارية المزدهرة. لقد نمت علاقتنا التجارية مع الجزائر بنسبة 24% منذ عام 2022، وأنا أستخدم هذا كمثال فقط، لأنها جديدة وعالقة في ذهني إذ كانت في الأسبوع الماضي. يبلغ حجمها حاليا 3 مليارات جنيه إسترليني، ولكنْ هناك خطط طموحة لتحقيق المزيد. إن شركات مثل أسترازينيكا، ويونيليفر، وجي إس كيه، وبتروفاك مزدهرة فعلا في الجزائر، والكثير منها يوسع عملياته.
لهذا السبب فإن هذه السلسلة من الحوار المنظم، التي تدرس جميع جوانب علاقاتنا، هي سلسلة مهمة. وقد احتفلنا مؤخرا بالذكرى السبعين لتأسيس مكتب الاستثمار الكويتي. واستقبلنا زيارات من العائلة الحاكمة. وأجرينا حوارات استراتيجية مع الكويت أيضا. وأنا ممتن لك يا بدر على الجهد الهائل الذي تبذله منذ وصولك. ولا بد وأن الكثير منكم يتذكر سلفه. ولكنْ هناك شيء مهم للغاية – وهو أن طاقة السفير الجديد تعكس قوة علاقتنا الثنائية أيضا.
لكن بالمثل، أجرينا حوارات هيكلية أخرى مؤخرا مع البحرين وتونس، حيث ركزنا على مجالات مثل المناخ والتعليم والنقل وغير ذلك الكثير أيضا. وكما أشرتُ سابقا، كنت أنا والأمين العام حاضريْن في حوار المنامة، حيث جرت محادثات مهمة حول كل هذه القضايا المحددة والكثير غيرها. وكان ذلك كله يعكس قوة النوايا وعمقها. وكما نرى هذا الصباح فإن الناس يولون أهمية لهذه المنظمات الهامة، وأيضا لتنظيم مثل هذه الاجتماعات.
وإذا ما أردنا التركيز على الصحة العالمية مثلا، نرى أن المملكة المتحدة تتمتع بسجل حافل بالعمل مع العالم العربي ومختلف أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتعزيز الأنظمة الصحية في البلدان النامية، وتشجيع الابتكارات في مجال الرعاية، وتطوير لقاحات جديدة. وفيما يتعلق بالأمن الغذائي، يستضيف رئيس وزرائنا اليوم قمة عالمية على بعد مسافة قصيرة من هنا. والواقع أنني سألقي كلمة في ذاك الاجتماع لاحقا، إلى جانب أصدقائنا من دولة الإمارات والصومال، لنعمل على تحفيز العمل لأجل القضاء على الجوع.
وقبل عام، أطلقت المملكة المتحدة شراكة مع المملكة العربية السعودية، من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، لمعالجة انعدام الأمن الغذائي في الصومال. وقد بدأنا نشهد النتائج فعلاً حيث يحصل 130,000 شخص من المحتاجين على الدعم بشكل مباشر، ونحن نوقع اتفاقات تتعلق ليس فقط بالعلاقات التجارية، بل أيضا بمسائل التنمية مع شركائنا في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضا. لأن من خلال عملنا معا، متكاتفين، يمكننا تقديم أكثر بكثير.
وهذا بالطبع صحيح أيضا عندما نتمعّن في قضايا مؤتمر الأطراف كوب 28، وهي القضايا التي ذكرناها. ونبارك لمصر التي أخذت منا الرئاسة، حيث تبادلنا عصا التتابع أمر مهم. وبمناسبة ذكر دولة الإمارات، فإننا نعمل مع العالم العربي مباشرة لأنه يتعين علينا تسريع النمو الذي يراعي البيئة. ونحن نعمل مع البلدان في جميع أنحاء المنطقة لتعزيز مجالات مثل الطاقة المتجددة والصناعة التي تراعي البيئة، وقد بتنا نرى الآن في شوارع عمّان، على ما أعتقد، حافلات الركاب الكهربائية.
وأخيرا، وبما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، التقيت في حوار المنامة بصديقي العزيز جاسم، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، وما زلنا نحرز تقدماً بشكل جيد.
ولكي تصبح اقتصادات العالم العربي أقل اعتماداً على الكربون والوقود الأحفوري، يتعين علينا أن نفتح الأبواب أمام رواد الأعمال - والعديد منكم هنا اليوم - للاستفادة من التقدم التكنولوجي. وهذه فرص لا يمكننا اقتناصها إلا بإزالة الحواجز وتسهيل النمو والعمل مع شركائنا الخليجيين. ولهذا السبب فإننا، من الناحية العملية البحتة، نجرب الآن مثلاً، وتحديداً مع قطر، الاتفاقيات الجديدة للإعفاء من التأشيرة التي توصلنا إليها مع العديد من دول الخليج. وهذا جليٌّ للغاية.
لا ينبغي لنا أن نكتفي بالكلام عن هذه الأمور. بل علينا أن نساعد في تسهيل العمل الذي يؤدي إلى إقامة الروابط بين الناس. وفي رأيي أن صفقة تجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي ستعزز تعاوننا في مجموعة كبيرة من القطاعات، وهو ما يخلق العديد من الفرص التجارية، والأهم من ذلك الوظائف على كلا الجانبين ويجذب استثمارات جديدة.
لقد بلغت صادرات المملكة المتحدة إلى الدول العربية 38 مليار جنيه إسترليني في عام 2022، بزيادة قدرها 20%. ولكن هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه.
وفي الختام، أقول لكم جميعا: آمل أن تكون محادثاتكم اليوم مثمرة وتحقق نتائج مرجوّة. ما زال هناك الكثير مما يمكننا القيام به معا. نعمل معاً بشكل تعاوني وجماعي لتحقيق الأهداف المشتركة. وأنا متأكد من أنه ستكون هناك الكثير من المناقشات التي تشجع على المشاركة لأنه في نهاية المطاف – وكما يقول السياسيون عادة – لا يتم الاتفاق إلا من خلال الحديث. ومع ذلك، تظل للحوار أهميته في نهاية المطاف عندما نتمكن من تنفيذ فحوى تلك المحادثات والمناقشات. إن منتديات كهذا هي التي تساعد في الإنجاز. ويمكننا معا فعل ذلك. شكراً جزيلاً.