مبادرات جديدة لأجل السلام الإقليمي: كلمة لورد أحمد في حوار منتدى المنامة 2023
كلمة وزير شؤون الشرق الأوسط لورد أحمد في حوار منتدى المنامة 2023 الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في مملكة البحرين.
إنه لمن دواعي سروري أن أعود في زيارة أخرى إلى البحرين. وفي الواقع، كنت أقول لسفيرنا، وسفير البحرين الرائع في لندن، الشيخ فواز، أن البحرين أصبحت بالنسبة لي خلال السنوات القليلة الماضية بيتي الآخر؛ أما بالنسبة لزوجتي فهي تتساءل إن كانت البحرين هي بيتي وأنني أتردّد على زوجتي بين الحين والآخر. والواقع أن البحرين بلدٌ رائع حقاً. فقد أثبتت بالفعل – كما تفعل ذلك مرة أخرى اليوم – كونها قوة جامعة.
ومنذ ذلك الحين - منذ زيارتي الأخيرة للبحرين - أصبحت العلاقات الثنائية أكثر قوة، بما في ذلك احتفالنا بزيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان في يوليو. وأشعر بالفخر بأن أقول إن البلدين - المملكة المتحدة والبحرين - رفعا مستوى الحوار بينهما مؤخرا حين انعقد حوارنا الاستراتيجي الأول في لندن، والذي كان لي شرف رئاسته بالمشاركة مع صديقي العزيز، معالي د. الزياني. كما أود أن أشكر مملكة البحرين على استضافتنا اليوم في فعالية مهمة أخرى تأتي في أوانها.
وأؤكد لكم أن وفد المملكة المتحدة هنا يزخر بالعديد من رموز القوة وأرباب المعرفة. ويقال عادة بأن هناك لورد واحد؛ لكن بإمكاني التأكيد بنظرة عبر هذه القاعة على وجود أكثر من لورد: فهناك لورد سيدويل، ولورد مود، بالإضافة إلى برلمانيين آخرين وقادة أعمال، وحقيقة وجودهم هنا تدل على التزام المملكة المتحدة تجاه البحرين، بل، وهذا هو المهم، تجاه المنطقة كلها أيضاً.
في العام الماضي، عندما ألقى وزير الخارجية آنذاك كلمته، تحدث بعبارات مشحونة بالعواطف عن التحول الذي تشهده المنطقة؛ ولكن أيضا، وهذا هو الأهم، تطرّق إلى التهديدات التي لا تزال تواجه المنطقة، لا بل جميعنا في الواقع.
وفي هذا السياق، أظهرت البحرين، في ظل رؤية جلالة الملك، ريادتها المستمرة للتعايش السلمي والأمن الإقليمي. لقد شهدنا فائدة مقاربة منطقة الخليج في السياسة الخارجية خلال العام الماضي، بما في ذلك الجهود المبذولة لإنهاء الصراع في السودان، واستضافة محادثات السلام الأوكرانية، وجمع العالم العربي مؤخراً تداعياً للأزمة التي نواجهها جميعا وحتى يومنا هذا في إسرائيل وفي كل أنحاء غزة والضفة الغربية. لقد أكدت هذه الجهود مجددا ما كنا نعلمه أصلاً: ألا وهو أنكم تظلون شريكا حيويا، الآن وفي المستقبل.
وكما سمعنا من الأمين العام وصاحب السمو الملكي وبكل ما لديه من خبرة واسعة على مرّ السنين، فإننا نواجه معاً مجموعة هائلة من التحديات. وفي هذا الصدد، اسمحوا لي أن أكون شديد الوضوح: نحن، المملكة المتحدة، نظل شريكا موثوقا وملتزما للمنطقة في الاستجابة للتحديات واغتنام الفرص التي أمامنا.
إننا شريك يعمل على تقييد حركة انتشار الأسلحة الإيرانية والنشاط المزعزع للاستقرار الذي تقوم به إيران والجماعات المتحالفة معها المسؤولة عن قدر كبير من عدم الاستقرار في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها؛ ونحن أيضاً الشريك الذي يحاسب طهران على التصعيد في برنامجها النووي.
نحن شريك يعمل مع شركاء رئيسيين آخرين في المنطقة من أجل إحلال الأمن والسلام في اليمن وليبيا.
شريك للازدهار مع دول الخليج وفيما بينها.
وشريك يساهم في دعم تحول هذه المنطقة إلى منطقة خالية تماماً من انبعاثات الكربون، وهو ما يساعد في تجنب تأثيرات تغير المناخ الكارثية الكبرى التي تهدد الخليج – لا بل العالم أجمع.
أقول كل هذا لأنه على الرغم من أهمية ومدى إلحاح هذه التحديات وغيرها، فإنه أمر طبيعي أن يكون تركيزنا منصباً على هذه المنطقة - على غزة، وعلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين - وذلك نظراً لحجم الهجوم الذي وقع على إسرائيل في 7 أكتوبر، وحجم معاناة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة في الأسابيع التي تلت ذلك - والتي ما زلنا نشهدها اليوم.
إن هذا الصراع المستمر ليس كارثة على المنطقة فحسب، بل إنه كارثة علينا جميعا: إنه كارثة على إنسانيتنا المشتركة.
وقد كان سكان غزة يعيشون أصلاً في ظل ظروف يائسة قبل هذا الصراع؛ لكنهم الآن يعانون أكثر، إن ما لديهم دون ما يكفي من الغذاء والماء وأبسط الخدمات الأساسية التي نعتبرها كلنا أمرا مفروغا منه؛ إنهم في خوف دائم على حياتهم؛ وهم يستحقون الأفضل منا جميعا - وأنا أتفق معك، يا صاحب السمو الملكي، فهذا يعني بذل جهد جماعي تعاوني.
إنها كذلك كارثة على المنطقة والعالم لأن الصراع يؤجج الانقسام. وقد أدت إلى ارتفاع مثير للقلق في معاداة السامية ومعاداة الإسلام؛ وأثّر ذلك فعلاً على بلدي، المملكة المتحدة.
وبالتالي، إذا لم نعمل معا، بشكل جماعي وتعاوني، فإن هذا الصراع سوف تتسع رقعته. هذه ليست مجرد كلمات، فما نراه هي مؤشرات مثيرة للقلق. ولا بدّ لنا من العمل معاً لوقف انتشار هذا الصراع.
كما إن خطوط الصدع الإقليمية والدولية التي عملنا جاهدين سنوات وسنوات على رأبها سوف تنفر بشكل مأساوي، وسوف يتقوّض التقدم الذي تحدثتُ عنه.
إذا ما العمل؟ ماذا ينبغي للمجتمع الدولي أن يفعله؟
علينا أن نجتمع معاً؛ نناقش؛ نتبادل وجهات النظر؛ نعقد مناقشات عامة وصريحة ومفتوحة – هذا كله جيد. لكن لا غنى أيضاً عن المداولات والاتصالات الدبلوماسية خلف الكواليس.
لقد شدّد الجميع على أنه يجب علينا على المدى القصير وقف إراقة الدماء، وبذل كل ما في وسعنا لتوفير المساعدة والأمن لجميع المواطنين وفي أسرع وقت ممكن.
واسمحوا لي أن أكون صريحاً هنا؛ فلقد كانت المملكة المتحدة واضحة جدا في هذا الشأن: لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد حماس، وضد أعمال الإرهاب التي وقعت في 7 أكتوبر.
دعونا لا ننسى أن حماس تصرفت بضلال باسم الدين الذي أعتنقه، ويدين به الكثير منكم في هذه القاعة، ولكن لا علاقة لما فعلته حماس بالدين.
حماس لا تؤمن بالسلام. لقد أودت فظائعها المروعة بحياة العديد من أبناء الجنسيات الأخرى - ليس فقط إسرائيليين - إضافة إلى أبناء المجتمع اليهودي في إسرائيل وعدد من أتباع الديانات الأخرى ومنهم مسلمون أيضاً.
لذلك فإن حماس تشكل تهديدا مباشرا على الكثيرين، بل علينا جميعا. وقد أكدت هي نفسها على أنها ستكرر مثل تلك الفظائع، وبالطبع هدفها النهائي القضاء على دولة إسرائيل.
وعليه، فإن من مصلحتنا الجماعية أن نعمل كلنا معاً لضمان عدم وقوع مثل هذه الأحداث البغيضة كالتي شهدناها في 7 أكتوبر، والإرهاب الذي نراه في مختلف أنحاء العالم – بما في ذلك المملكة المتحدة التي تأثرت هي نفسها بالإرهاب العشوائي.
لكن المملكة المتحدة كانت واضحة في الوقت ذاته وبنفس القدر في أن يجب على إسرائيل – يجب على إسرائيل – في ممارستها لحقها في الدفاع عن النفس أن تحترم القانون الإنساني الدولي، وأن تتخذ كل خطوة ممكنة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين. إسرائيل بلد ودولة، وعليها التزامات تجاه القانون الدولي.
ويتضمن هذا أيضاً احترام حرمة المستشفيات، حتى يتسنى للأطباء - الذين يقومون بعمل مذهل كما نرى بأنفسنا - أن يستمروا في رعاية المرضى والمصابين.
والآن أصبح الوضع حرجا في أرجاء واسعة من غزة - وخاصة في المستشفيات، مثل مستشفى الشفاء، حيث يموت على نحو مأساوي أطفال صغار ورضع أبرياء نتيجة لانعدام الكهرباء.
الكثير جداً من الناس، الكثير جدا من الأطفال الأبرياء، عدد كبير جدا من الأطفال الرّضع، عدد كبير ممن فقدوا أرواحهم. إن لكل حياة أهميتها، بغض النظر عن كونها إسرائيلية أو فلسطينية؛ يهودية أو مسلمة أو مسيحية. كل حياة مهمة؛ الإنسانية مهمة.
ولهذا السبب، تتواصل المملكة المتحدة، بقيادة رئيس الوزراء، وعلى نطاق واسع، مع أصدقائنا وحلفائنا وشركائنا في هذه المنطقة، بما في ذلك العديد منكم هنا. والأهم من ذلك، التواصل مع وكالات الإغاثة الرائعة، بما فيها الأمم المتحدة، لإيصال المساعدات المنقذة للأرواح لسكان غزة. ودعونا نشيد بموظفي الإغاثة الشجعان من الأمم المتحدة والوكالات الأخرى الذين يواصلون العمل في المناطق المتأثرة بالصراع.
لقد زدنا دعمنا لشعب غزة لأكثر من الضعف، حيث رصدنا لها أكثر من 30 مليون جنيه إسترليني، كما أننا نواصل الدعم من خلال المنظمات غير الحكومية أيضا.
ونحن ندرس بشكل بنّاء ما يمكن القيام به فوراً. ونعتقد أن الحدود البرية تشكل الخيار الأفضل لإيصال الدعم إلى حيث تشتد الحاجة إليه، ولقد دأبنا على حثَّ الحكومة الإسرائيلية على السماح بدخول المزيد - ليس فقط من معبر رفح، بل من معبر كرم أبو سالم أيضا.
وواصلنا الطلب بتوفير مساحات خاصة لتوصيل مساعدات إنسانية مستدامة دون عراقيل خلال هدنات إنسانية. ويجب توفير هذه المساحات الآن للتمكن من إيصال المساعدات.
إن فترات وقف القتال التي تدوم أربع ساعات والتي شهدناها في شمال غزة هي خطوة أولى، ولكنها البداية وحسب؛ إذ إننا بحاجة إلى فترات زمنية أطول عبر مختلف أنحاء غزة إذا أردنا تقديم ما هو مطلوب. ونحتاج إلى جهد جماعي لإنجاز ذلك.
في يوم الأربعاء، دعا مجلس الأمن الدولي – وأنا أقتبس هنا - إلى ’هدنات إنسانية عاجلة وممتدة لعدد كاف من الأيام للسماح بوصول المساعدات‘. وعلينا أن نعمل على تحقيق هذه الغاية.
وكما سمعنا مرارا وتكراراً من على هذا المنبر خلال مداولاتنا: أجل، يجب علينا أن نعمل معاً من أجل حل الدولتين الدائم وطويل الأمد؛ ولكن يجب ألا يكون هذا الحل حبراً على ورق. لقد حانت ساعة العمل. نحن بحاجة إلى بذل أقصى الجهود الآن. لقد دقًّت ساعة العمل والوقت من ذهب.
وتعتقد المملكة المتحدة أن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حل الدولتين. ليس كرؤية، بل كواقع.
لقد اتفقنا على موضوع غزة في اجتماع مجموعة السبع ومع دول أخرى. وقد حدد الوزير بلينكن الخطوات، ونحن نؤيدها. وهي ليست مجرد خطوات قائمة من حيث المبدأ، أو في مُخيّلات الدبلوماسيين أو المسؤولين، لكن ليس - كما رأينا اليوم – مجرد حلقة مفرغة من قرارات مكرّرة لا تتمخّض عن شيء يُذكر على أرض الواقع. إننا بحاجة إلى طريق واقعي: طريق إلى السلام؛ طريق حقيقي: يعيد الأمل في المستقبل لجميع شعوب المنطقة؛ إنه الأمل – أيها السيدات والسادة، أصحاب السعادة – الذي كان مفقودا لفترة طويلة جدا من الزمن.
وأختم كلامي باقتباس مقولة سوف يعرفها كثيرون منكم في هذه القاعة – وأعرف أنك يا صاحب السمو الملكي ستعرف هذه المقولة؛ وأنت، سعادة الأمين العام، ستعرف هذه المقولة أيضا. أما المقولة التي تعود إلى عام 1994، فقد كانت كلماتها هي: ’هناك وسيلة جذرية واحدة فقط لتقديس حياة الإنسان. وهي ليست الدروع المصفحة، ولا الدبابات، ولا الطائرات، ولا التحصينات الخرسانية. الحل الجذري الحقيقي هو السلام‘. إنها كلمات اسحق رابين.