المساعدات الإنمائية الرسمية: تصريح وزير الخارجية، نوفمبر 2020
أدلى وزير الخارجية بتصريح في مجلس العموم بشأن المساعدات الإنمائية الرسمية حدد فيه أولويات الإنفاق على المساعدات: تغير المناخ والتنوع البيئي، ومكافحة كوفيد، وتعليم الفتيات، وتسوية الصراعات، والمساعدات الإنسانية في الكوارث والأزمات، والتنمية الاقتصادية.
أود أن أدلي بتصريح أمام المجلس بشأن المساعدات الإنمائية الرسمية.
لقد أطلع وزير الخزانة مجلس العموم يوم أمس على آخر التحديات الاقتصادية التي أسفرت عنها جائحة كوفيد-19، وكان تقييماً مذهلاً.
تواجه المملكة المتحدة أسوأ انكماش اقتصادي منذ ما يقرب من 300 عام، وعجزاً في الميزانية يقارب 400 مليار جنيه إسترليني، أي ضعف العجز الذي شهدناه في الأزمة المالية الأخيرة.
وإذ تستجيب بريطانيا لحالة طوارئ صحية، فإنها تستجيب أيضاً لحالة طوارئ اقتصادية، وسوف يخضع كل جنيه من الإنفاق العام لتدقيق صارم، بكل حق، من قبل ناخبينا.
ونظراً لتأثير هذا الوباء العالمي على الاقتصاد، وبالتالي على المال العام، فقد خلصنا بعد تفكير مستفيض، وعليَّ أن أقول هذا مع الشعور بالأسف، إلى أنه لا يمكننا في الوقت الحالي تحقيق هدفنا المتمثل في إنفاق 0.7% من إجمالي الدخل القومي على المساعدات الإنمائية الرسمية. بل سنخصص لها 0.5% اعتباراً من العام المقبل.
واسمحوا لي أن أطمئن المجلس بأن هذا الإجراء مؤقت.
إنه قرار اتخذناه لظروف أملتْها علينا الضرورة.
وسوف نعود إلى نسبة 0.7% عندما يسمح الوضع المالي بذلك.
يشير قانون التنمية الدولية (الهدف المقرر لحجم المساعدات الإنمائية الرسمية) لعام 2015، إلى الظروف التي قد لا يمكن فيها تحقيق هدف 0.7%، لا سيما في سياق الضغوط الاقتصادية.
وينص القانون في تلك الحالة على حق البرلمان في المساءلة، وسأقوم بالطبع بإبلاغ المجلس بالطريقة المناسبة.
وفي الوقت ذاته، ونظراً لمتطلبات القانون، وحقيقة أننا لا نستطيع في هذه اللحظة التنبؤ على وجه اليقين بالوقت الذي ستتحسن فيه الظروف المالية الحالية بشكل كافٍ، وحاجتنا للتخطيط وفقاً لذلك، فإنه سيكون علينا التقدم بقانون بذلك لاحقا.
بالطبع نحن لسنا وحدنا في مواجهة هذه الاختيارات المؤلمة.
فجميع البلدان تعكف على التأقلم وترتيب أوضاعها، ليس فقط مع التأثيرات الصحية للجائحة، بل كذلك مع التبعات الاقتصادية لكوفيد-19.
وتجدر الإشارة إلى أنه في بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2019، دولة واحدة أخرى فقط من أعضاء مجموعة العشرين رصدت 0.5% أو أكثر من إجمالي الدخل القومي للإنفاق على التنمية.
كان ذلك قبل الجائحة. بينما الآن يعيد الكثيرون تقييم خطط الإنفاق الخاصة بهم، تماماً كما اضطررنا نحن إلى فعل ذلك.
ومع ذلك، نتوقع أن يبلغ إجمالي إنفاقنا التنموي في العام المقبل حوالي 10 مليارات جنيه إسترليني، وذلك يحافظ على مكانتنا كواحدة من الدول الرائدة في العالم، من حيث إنفاقنا على المساعدات الإنمائية الرسمية.
لذا يمكنني أن أؤكد للمجلس أننا سنحتفظ بمكانتنا الرائدة في الكفاح العالمي ضد الفقر.
سنظل ملتزمين باتباع القواعد التي وضعتها لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وسوف نضمن تحقيق أكبر أثر للميزانية التي رصدناها للمساعدات، وذلك من خلال التكامل الاستراتيجي الذي حققناه بعد الاندماج في وزارة الخارجية والتنمية البريطانية، والتفكير الاستراتيجي الذي يستند إلى المراجعة المتكاملة، ومزيد من التغييرات التي نجريها الآن حول كيفية تخصيص المساعدات الإنمائية الرسمية لدعم نهج أكثر تكاملاً وشمولا.
إن نقطة البدء عندنا هي المراجعة المتكاملة.
ومن خلال تلك المراجعة، نضع الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى لعملنا الدولي، استنادا إلى قيمنا وبناء على المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة.
ولتحقيق ذلك، سوف نتبنى نهجاً أكثر تكاملاً عبر كافة وزارات الحكومة.
لهذا السبب أنشأ رئيس الوزراء وزارة الخارجية والتنمية البريطانية، التي تجمع ما بين الدبلوماسية والتنمية بشكل وثيق مع عمل دوائرنا الحكومية الأخرى.
إن المساعدات الإنمائية الرسمية عنصر حيوي وأساسي ولا غنى عنه إطلاقا في ذلك النهج الاستراتيجي.
ولكن تحقيق الحد الأقصى لفعاليتها يقتضي استخدامها جنباً إلى جنب مع خبرتنا في سياسة بمجال التنمية، وانتشارنا الأمني ودعمنا في الخارج، وتعاون عالمي أكثر قوة من خلال شبكتنا الدبلوماسية.
إننا نعمل على وصول مساعدتنا إلى أبعد من ذلك من خلال اقترانها بكل هذه العناصر الأخرى، والتأكد من أنها كلها متوائمة وتدفع في نفس الاتجاه.
في الأسبوع الماضي، حدد رئيس الوزراء كيفية تعزيزنا لقدراتنا الدفاعية والأمنية.
من شأن هذا أن يعزز مكانتنا في العالم، بينما يساهم أيضاً في جهودنا الإنمائية بما في ذلك قوتنا الناعمة في الخارج.
أوضح مثال على ذلك هو حفظ السلام.
حيث لدينا قوات بريطانية منتشرة في أفغانستان وجنوب السودان والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأماكن أخرى، وهي تعمل جنباً إلى جنب مع جهودنا الإنمائية والدبلوماسية.
ونظهر ذلك على أرض الواقع من خلال نشرنا مؤخرا لنحو 300 جندي بريطاني في مالي.
كما إن ميزانيتنا الخاصة بالأمن والدفاع تساعد بعض البلدان على التصدي للتهديدات الجديدة. على سبيل المثال، دعم نيجيريا وكينيا في تقييم وتعزيز قدرتهما في مجال الأمن السيبراني.
وسنحدد التفاصيل الوافية للمراجعة المتكاملة في وقت مبكر من العام الجديد، حين نتولى رئاستنا لمجموعة السبع ومؤتمر العمل المناخي 26، ليكون عام 2021 هو عام الريادة لبريطانيا العالمية كقوة للخير في العالم.
هذا النهج الاستراتيجي الجديد سيتيح لنا إحداث تأثير أكبر من وراء إنفاقنا على المساعدات الإنمائية الرسمية البالغة 10 مليارات جنيه إسترليني العام المقبل، على الرغم من الوضع المالي الصعب الذي يواجهنا.
سوف أحدد أولوية إنفاق تلك الميزانية البالغة 10 مليارات جنيه استرليني بموجب خمس طرق معينة.
أولا، سوف نعطي الأولوية لتدابير معالجة تغير المناخ، وحماية التنوع البيئي، وتمويل التكنولوجيا منخفضة الانبعاثات الكربونية والمقاومة للمناخ، كتكنولوجيا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في البلدان الفقيرة والناشئة.
يمكنني أن أطمئِن المجلس بأننا سوف نستمر بالتزامنا بمضاعفة تمويل المشاريع المناخية الدولية، والتي تعتبر ضرورية للحفاظ على طموحاتنا في هذا المجال في الوقت الذي نستضيف فيه قمة العمل المناخي 26.
وسوف نستعين بشبكة بعثاتنا الدبلوماسية في مجال الدعم الذي نقدمه لحشد العمل على الصعيد العالمي، ولضمان أن تقدم الدول التزامات طموحة تؤدي إلى تغيير جذري للأفضل في الفترة التي تسبق انعقاد القمة في شهر نوفمبر القادم.
ثانيا، سوف نعطي أولوية لتدابير معالجة كوفيد، والترويج للأمن الصحي على نطاق أوسع في العالم.
سوف نحافظ على مكانتنا في صدارة الجهود الدولية، حيث سنستثمر في تحالف غافي للقاحات والتحصين، ومبادرة كوفاكس، والصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، ومرفق التمويل الدولي للتحصين.
كما سنواصل دعم وتقوية منظمة الصحة العالمية باعتبارنا ثاني أكبر مانح للمنظمة، وقد تحدثت مع د. تيدروس يوم أمس بشأن جهودنا في ذلك الصدد.
وسوف نستعين بجميع الآليات المتوفرة لدينا لتحقيق أكبر أثر ممكن للمساعدات البريطانية. على سبيل المثال، وسّعنا مساهمتنا في مبادرة كوفاكس من خلال جهودنا الدبلوماسية، والتي ساعدت في إقناع مجلس البنك الدولي لإعلان تقديم تمويل إضافي في الشهر الماضي يصل إلى 12 مليار دولار دعما للقاحات واختبارات وعلاجات كوفيد. وهنا أيضا تحدثت مع مدير البنك الدولي ديفيد مالباس ليل أمس بشأن تعاوننا المهم في هذا المجال.
ثالثا، سوف نواصل إعطاء أولوية لتعليم الفتيات، لأن ذلك هو الصواب، ولأن حظوظ الكثيرين في الدول الفقيرة تعتمد على استغلال إمكانات جميع أفراد شعوبها، وذلك لا بد وأن يشمل النساء والفتيات في التعليم.
إن هدفنا العالمي، بالعمل مع شركائنا، هو أن تلتحق 40 مليون فتاة بمقاعد الدراسة، وأن تتمكن 20 مليون فتاة من القراء لدى بلوغ سن 10 سنوات.
تلك هي أولوية كبيرة لبريطانيا العالمية كداعمة أساسية للشراكة العالمية من أجل التعليم، وسوف نسعى في السنة القادمة إلى جمع 4 مليارات دولار على صعيد العالم، بما في ذلك من خلال القمة البريطانية-الكينية.
رابعا، سوف نركز المساعدات الإنمائية الرسمية على تسوية الصراعات، وتخفيف الأزمات الإنسانية، والدفاع عن مجتمعات منفتحة، والترويج للتجارة والاستثمار، بما في ذلك من خلال زيادة شراكات المملكة المتحدة بمجالات البحث العلمي والتكنولوجيا.
ذلك نظرا لكون تلك المجالات تشكل أسس التنمية، وتتطلب التزاما استراتيجيا طويل الأجل.
وأخيرا، سوف ننظر في جميع الأوقات إلى تحسين تقديم المعونات لأجل زيادة أثر تدخلاتنا سياساتنا الإنمائية على الأرض في البلدان والمجتمعات التي نسعى من خلال تلك المعونات إلى مساعدتها لتعود بالفائدة عليها.
سوف نعزز المساءلة والجدوى التي تتحقق مقابل الأموال التي ندفعها، بتقليل الاعتماد على مستشارين يكلفون مبالغ كبيرة لإدارة المشاريع، وتعزيز إمكاناتنا الداخلية ليكون لدينا إشراف وسيطرة أكبر، بما في ذلك إزالة إجمالي حدود تكلفة التشغيل التي بدأ العمل بها عند تأسيس وزارة التنمية الدولية.
نتيجة لهذه المراجعة للإنفاق، سوف يكون لوزارة الخارجية والتنمية دور أكبر في ضمان اتساق وتنسيق الإنفاق المتعلق بالتنمية في جميع وزارات حكومتنا.
كذلك، سعيا إلى تحقيق أكبر قدر من التركيز الاستراتيجي كما ذكرت، سوف أطلق عملية قصيرة تشمل جميع وزارات الحكومة لمراجعة وتقييم مخصصات المساعدات التنموية الرسمية للسنة القادمة وتحديدها بشكل نهائي، وذلك خلال الفترة التي تسبق عيد الميلاد.
إننا نشهد في هذه الأوقات تحديات لم يسبق لها مثيل. وما يميزنا جميعا في هذا المجلس استعدادنا لاتخاذ قرارات صعبة، وليس فقط القرارات السهلة.
وتبعا للمقاربة التي شرحتها، سوف نحافظ على طموحنا على الصعيد الدولي، ونحقق آثارا أكبر بالاستعانة بميزانية المساعدات في وقت تشهد فيه أموالنا العامة ضغوطا لا مثيل لها.
وإنني، كالكثيرين من أعضاء هذا المجلس، أفتخر بإنفاقنا بمجال التنمية.
كما أفتخر بسخاء ذوي القلوب الكبيرة من الشعب البريطاني، والذي نعززه بطاقاتنا الدبلوماسية على الساحة الدولية.
وأفتخر كذلك بالجهود الهائلة التي نبذلها لدعم الشعوب الأكثر فقرا وأكثر حاجة للمساعدة في أنحاء العالم.
إن المملكة المتحدة متواجدة يوميا على الأرض، من خلال موظفيها، في مناطق الكوارث، وفي مخيمات اللاجئين، لمعالجة أزمات الجوع والجفاف، والمساعدة في انتشال الناس من الفقر، والسعي لتسوية الصراعات، وبناء مستقبل أكثر تفاؤلا لملايين الناس الذين يعانون ويكافحون في وجه التحديات.
كما سنواصل مهمتنا تلك، حتى في أصعب الأوقات الاقتصادية، وسوف نستمر في دورنا القيادي.