هجوم سالزبري الكيماوي والتهديد الروسي
مقال رأي للسفير البريطاني لدى دولة الكويت مايكل دافنبورت حول الهجوم الكيماوي الذي حصل في مدينة سالزبري
أعلم أن العديد من الكويتيين شعروا بالصدمة عندما علموا أنه في يوم هادىء من أيام الأحد في مدينة وادعة تعتبر واحدة من أجمل مدن بريطانيا تعرض أب وابنته لإول هجوم بإستخدام غاز الأعصاب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. إن سيرجي ويوليا سكريبال ما يزالا في حالة حرجة جدا في المستشفى. كما أن الشرطي الذي حاول مساعدتهم هو الآن في المستشفى وحالته صعبه وأيضا تمت معالجة 35 شخص آخر لإنهم كانوا قريبيين عندما تم إطلاق غاز الأعصاب.
إن ما حصل في سالزبري في 4 مارس كان محاولة وقحة لقتل مدنيين على الأراضي البريطانية مما عرض حياة أي شخص – بغض النظر عن الجنسية- تصادف وجوده في الجوار للخطر . إن الحقيقة المرة هي أن وقوع هذا الهجوم في سالزبري يعني أن هجوم من هذا النوع قد يحدث في أي مكان آخر. لقد تعرف علماؤنا على المادة التي تم استخدامها ضد سكريبال وابنته على انها غاز اعصاب روسي ذو طابع عسكري يدعى “نوفيتشوك “ واليوم روسيا فقط هي الدولة الوحيدة التي لديها سجل حافل بالإغتيالات برعاية الدولة الروسية مع وجود دافع واضح لإستهداف سيرجي سكريبال بالإضافة الى تاريخها في إنتاج غاز “نوفيتشوك”.
بعد الهجوم أعطت الحكومة البريطانية الكرملين الفرصة لتوضيح ما إذا كانوا قد فقدوا أي جزء من تلك الماده ولكن تم تجاهل هذا الطلب بإحتقار مما لم يترك للحكومة البريطانية أي خيار سوى الإستنتاج بإن الدولة الروسية مذنبة بمحاولة اغتيال في مدينة بريطانية بإستخدام غاز أعصاب قاتل محرم من قبل معاهدة الأسلحة الكيماوية.
إن الهجوم في سالزبري يتناسب مع نمط السلوك غير الشرعي للكرملين فمنذ سنة 2014 قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم وأشعلت فتيل الصراع في شرق أوكرانيا واخترقت الكترونيا البرلمان الألماني والحكومة الدنماركية وتدخلت في الإنتخابات الأوروبية.
لقد شعر العالم بأكمله بالصدمة بسبب إستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا في السنوات الأخيرة وذلك في إنتهاك صريح للقانون الدولي بما في ذلك معاهدة الأسلحة الكيماوية. لقد وعدت روسيا سنة 2013 بالتحقق من أن سوريا ستتخلى عن جميع أسلحتها الكيماوية ومنذ ذلك الوقت أكد المحققون الدوليون أن نظام الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية في أربع هجمات منفصلة وللأسف إستخدمت روسيا مرارا وتكرارا الفيتو لمنع تمديد آلية التحقيق المشتركة التي حصلت على تفويض مجلس الأمن للتحقيق في إستخدام الأسلحة الكيمائية.
والآن تجاوزت روسيا كل الحدود لدرجة إستخدام غاز اعصاب محرم دوليا في وقت السلم وعلى الأراضي الأوروبية ولحسن الحظ لم يؤدي الهجوم إلى إصابة أعداد كبيرة من الناس في سالزبري علما أنه كان من الواضح أن منفذي الهجوم لا يكترثون بعدد الأبرياء الذين عرضوا حياتهم للخطر.
لقد ردت بريطانيا بطرد 23 ضابط مخابرات غير معلنين من السفارة الروسية في لندن. لكن المجتمع الدولي بشكل عام يحتاج للوقوف صفا واحدا من أجل الإلتزام بأحكام القانون والتي تعتبر الأساس لسلامة الشعوب ولو فشلنا في ذلك ستستمر الدولة الروسية في أسلوب عملها القائم على السلوك الخطر والمدمر. لهذا السبب فإن الإستنكار القوي والموحد للأفعال الروسية من أصدقائنا وحلفائنا في أوروبا وشمال أمريكا والشرق الأوسط كان مهما للغاية حيث أرحب بالإستنكار الكويتي الواضح للهجوم في بيان الكويت في مجلس الأمن الدولي.
إن صراعنا بالطبع ليس مع الشعب الروسي الذي أضاءت إنجازاته الثقافية والأدبية الإنسانية لقرون عديدة، كما أننا لن ننسى مطلقا ثبات الشعب الروسي خلال الحرب العالمية الثانية وتحالفنا معا ضد النازية ولكن كلنا نشترك في الإلتزام بمعارضة طموحات الكرملين لتقسيم وإضعاف المجتمع الدولي.
لقد كان الرد البريطاني حازما ويعكس قيمنا كدولة ديمقراطية ليبرالية ملتزمة بحكم القانون. إن العديد من الروس قد جعلوا بريطانيا وطنا لهم وهم ملتزمون بالقانون ويقدمون مساهمات مهمة لمجتمعنا وهم موضع ترحيب في المملكة المتحدة. لكن في كل مرة تنتهك الدولة الروسية القوانين الدولية فهي تشكل تهديدا، وهذا الهجوم المريع حصل في مدينة مسالمة ريفية في بريطانيا وفي المرة القادمة يمكن أن يحدث في أي مكان وربما في بلدك أو في مدينتك.