ستة شهور منذ هجمات حماس المروِّعة في 7 أكتوبر: مقال بقلم وزير الخارجية
بمناسبة مرور ستة شهور على هجمات 7 أكتوبر، كتب وزير الخارجية ديفيد كاميرون المقال التالي الذي نشرته صحيفة صنداي تايمز البريطانية.
القتل المُفجع لموظفي الإغاثة التابعين لمنظمة المطبخ المركزي الدولي، والذي كان بالإمكان تجنّبُه، جاء بمثابة تذكير فظيع بتكلفة الصراع في غزة. حيث فقد مواطنون من خمس دول مختلفة أرواحهم، ثلاثة منهم من أبناء المملكة المتحدة.
وفي هذه الواقعة بالذات، ما من شكٍّ حول من يُنحى عليهم باللائمة: فلقد عدَّد التحقيق الإسرائيلي فعلاً عدم كفاية الإجراءات والتصرّف غير المقبول لأفراد جيش الدفاع الإسرائيلي المعنيين. ما جرى يجب ألا يحدث مرة أخرى أبداً.
كما صادف يوم الأحد ذكرى واقعة كئيبة أخرى: فقبل ستة شهور شنت حماس هجمات مروّعة في 7 أكتوبر. علينا ألا ننسى كيف بدأ هذا الصراع - الذي عانى الشعب اليهودي جراءه من أسوأ وأشدّ المذابح دموية منذ الهولوكوست.
لقد انتهجت المملكة المتحدة، طوال الأزمة، أربعة مبادئ حيوية.
أولا، الدعم لأجل الرهائن وعائلاتهم. لقد التقيت ببعض الرهائن المُفرج عنهم، والقصص التي رووها لي أثارت في نفسي الخوف والقلق على أولئك الذين ما زالوا محتجزين. وفي مثل هذا الوضع المفجع الذي لا يُطاق، تواصل عائلات الرهائن بشجاعة تسليط الضوء على محنة أحبائها. وإني لأضمّ صوتي إلى أصواتهم في المطالبة بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن.
إن مداهمة أشخاص أبرياء واحتجازهم رهائن سيظل يذكِّرنا على الدوام بالمنظمة البشعة التي نتعامل معها.
ثانياً، بذْل قصارى جهدنا من أجل إيصال المساعدات للمدنيين الفلسطينيين.
لهذا السبب، واصلنا، أنا ورئيس الوزراء، مطالبة إسرائيل منذ شهور بالسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، موضحين بالتفصيل مواضع العراقيل والتأخير التي يتعين عليها معالجتها. وصف البعض تلك المطالبة بأنها تنمّ عن تجبّر وقسوة. لكنني لا أتفق مع ذلك: حيث كان – ولا يزال – من الضروري تجنب أزمة إنسانية أخطر ويمكن أن تتحول إلى مجاعة.
وهذا الأسبوع اتضح أن مطالباتنا تلك مبرَّرة عندما تغيّر ما قيل لنا سابقاً أنه مستحيل وفجأة أصبح ممكناً. حيث سيُعاد قريباً فتح ميناء أسدود ومعبر إيرِز. وسيعاد فتح خطوط أنابيب المياه. وسوف يتدفق المزيد من المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم. وهذه أخبار طيبة، ولكن الأقوال لا بدَّ أن تترجم إلى أفعال، وإلا فإن البديل الشنيع الذي يمكن توقعه هو حدوث مجاعة جماعية.
يجب أن نرى طوفان المساعدات الذي تحدث عنه الإسرائيليون أنفسهم. ومن جانبنا، نعمل بشكل وثيق مع برنامج الأغذية العالمي وشركاء آخرين لتوصيل المساعدات البريطانية إلى أسدود بمجرد افتتاح الميناء.
وقد أعلنا أيضاً عن تفاصيل دعمنا للممر البحري من قبرص إلى غزة، وسوف نرسل سفينة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، إلى جانب المساعدات البريطانية والخبرات والمعدات اللوجستية البريطانية، لتحقيق أقصى قدر من توصيل المساعدات.
ولكن المساعدات لن تحسِّن الوضع كثيراً ما لم تتوفر آلية لتوزيعها بالشكل الصحيح. إن ضمان التنسيق وتبادل المعلومات بشأن قوافل المساعدات وغيرها من النشاطات الإنسانية أمر ضروري. ومن هنا فإننا ندعو إلى أن يكون لممثل المنظمات الإنسانية مقعد في مكتب المنسِّق الرسمي لشؤون الحكومة الإسرائيلية، وهي الهيئة الإسرائيلية التي تتولى هذه المسائل في غزة.
أما مبدأنا الثالث فهو تولي القيادة في المنطقة وفي الأمم المتحدة.
إن من السهل إطلاق دعوات لوقف فوري ودائم لإطلاق النار، ولكننا، إلى جانب الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، كنا دائما واضحين في أنه ما لم نتعامل مع سبب الصراع - ألا وهو حكم حماس في غزة ومسألة وجود المسؤولين عن أحداث 7 أكتوبر - فلن يصمد أيّ وقفٍ لإطلاق النار. فلا يمكن أن نتوقع من إسرائيل أن تقبل بالعيش إلى جانب منظمة نفذت مثل هذه الهجمات المروعة وأعلنت أنها ستفعل الشيء نفسه مرة أخرى، إن أمكن لها ذلك.
لكن الوقف المؤقت للقتال - كالذي دُعي إليه في رمضان والذي أيّدناه في الأمم المتحدة - فهو مسألة مختلفة. حيث يمكن استغلاله لإدخال المساعدات وإخراج الرهائن. والأهم من ذلك أنه يمكن استغلاله لتهيئة الظروف لوقف القتال بشكل دائم، ومن ثمِّ بدء عملية بناء سلام دائم. وكان من الشروط التي وضعناها أن يغادر قادة حماس غزة، وأن يتم تفكيك البنية التحتية للإرهاب في غزة. وبعبارة أخرى، هذا يعني إنهاء الحرب بالسبل السياسية وليس العسكرية. ويظل هذا هو النهج الصحيح.
كما دعونا أيضاً إلى تشكيل حكومة جديدة للسلطة الفلسطينية، وبلورة أفق سياسي للشعب الفلسطيني وينبغي أن يشمل - في الوقت المناسب - الاعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء من دعمنا المعهود لحل الدولتين. وقد أعاننا ذلك، بالاشتراك مع ألمانيا، في جمع القوى العربية والأوروبية الرئيسية، إلى جانب الولايات المتحدة، القادرة على المساعدة في دعم وتمويل حل طويل الأمد.
أما مبدأنا الرابع - والذي يظل أساسياً - فهو أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس، وهو الحق الذي ينبغي لنا أن ندعمه. لكن بالطبع دعمنا هذا ليس بالدعم غير المشروط: فنحن نتوقع من مثل هذه الدولة الديمقراطية الفخورة والناجحة أن تلتزم بالقانون الدولي الإنساني، حتى عندما تواجه تحديا بتلك الطريقة.
كانت إسرائيل مستعدة للاتفاق مع حماس على هدنة لإطلاق سراح بعض الرهائن مقابل إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية خطيرة. والواقع أنه ينبغي ألا نستهين - نحن الذين نجلس مرتاحين آمنين في دولنا الديمقراطية الغربية الوادعة - بصعوبة ما يدور بخَلَد الناس في إسرائيل.
لكن حماس رفضت هذا الاتفاق حتى الآن.
إن الجميع منا يريد أن يرى نهاية للقتال، ولكن يتعين علينا أن نواجه السؤال الصعب: ماذا ينبغي علينا أن نفعل إذا رفضت حماس التوصل إلى اتفاق، وبالتالي استمر الصراع؟
لا يمكننا عندئذ أن نقف متفرّجين مصدومين ومشدوهي البال، متمنيين نهاية للقتال الذي قد لا ينتهي – وهذا يعني ضمان حماية الناس في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك في رفح.
وباعتبار إسرائيل قوة محتلة، فإن عليها تحمّل المسؤولية تجاه أهالي غزة. ولكن ذلك يعني أيضا أن على المجتمع الدولي أن يعمل مع إسرائيل في بذل الجهود الإنسانية للحفاظ على سلامة الناس وتزويدهم بما يحتاجون إليه.
ويجب أن يكون المدنيون العاديون آمنين وقادرين على الحصول على الغذاء والماء والرعاية الطبية. ولا بدّ للأمم المتحدة، وبدعم من المجتمع الدولي، أن تعمل مع إسرائيل لوضع خطط عملية وقابلة للتنفيذ لتحقيق ذلك في رفح وفي جميع أنحاء قطاع غزة. لقد قالت الولايات المتحدة إنها لا تستطيع تأييد عملية عسكرية في رفح إلا إذا كانت هناك خطة مناسبة لحماية المدنيين – ويجب أن يتم ذلك بالشكل الصحيح.
إنني أتمنى من أعماق قلبي أن ينتهي هذا الصراع، وأن يتمكن شعب إسرائيل وشعب غزة من أن يعيشوا حياتهم بسلام وأمان. ويجب علينا جميعا أن نواصل العمل لتحقيق هذا الهدف، ولكنني أعتقد أن العجز عن التحضير لاستمرار الصراع سيؤدي إلى مزيد من المعاناة وخسائر لا مبرّر لها في الأرواح البريئة. والمملكة المتحدة مستعدة للقيام بدورها.