بريطانيا العالمية: غايات الحكومة البريطانية في تفاوضها بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي
حددت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، في كلمتها في لانكستر هاوس، 17 يناير 2017، خطة بريطانيا المؤلفة من 12 أولوية تتطلع الحكومة البريطانية إلى الاستناد إليها في التفاوض للخروج من الاتحاد الأوروبي.
قبل ما يفوق الستة شهور بقليل، صوت الشعب البريطاني لأجل التغيير. صوتوا لأجل رسم مستقبل أكثر إشراقا لبلدنا. صوتوا لأجل الخروج من الاتحاد الأوروبي واحتضان العالم.
وقد فعلوا ذلك بعيون مفتوحة: القبول بأن الطريق الذي أمامهم سيكون غير واضح في بعض الأحيان، لكن مع اعتقادهم بأنه يؤدي إلى مستقبل أكثر إشراقا لأبنائهم – وأحفادهم كذلك.
ومهمة حكومتنا هي تحقيق ذلك. هذا يعني أكثر من مجرد التفاوض بشأن علاقاتنا الجديدة مع الاتحاد الأوروبي. إنه يعني انتهاز الفرصة التي تتيحها هذه اللحظة الهائلة من التغيير الوطني للتأمل وسؤال أنفسنا حول نوع البلد الذي نريده أن يكون.
ردّي على ذلك واضح: أريد للمملكة المتحدة أن تخرج من مرحلة التغيير هذه وهي أكثر قوة وإنصافا ووحدة وانفتاحا مما كانت في أي وقت مضى. أريد أن يكون بلدنا آمنا ومزدهرا ومتسامحا – يستقطب المهارات الدولية ويكون موطنا للرواد والمبتكرين الذين يعملون على تشكيل العالم الذي أمامنا. أريد أن نكون بريطانيا عالمية حقا – أفضل صديق وجار لشركائنا الأوروبيين، لكن في نفس الوقت أن نكون بلدا يتجاوز حدود أوروبا. بلد يخرج إلى العالم لبناء علاقات مع أصدقاء قدامى وتحالفات جديدة على حد سواء.
أريد أن تعكس بريطانيا ما لدينا من إمكانات ومهارات وطموح. أمة تجارية عالمية عظيمة تحظى بالاحترام في أنحاء العالم، وقوية وواثقة ومتضافرة محليا.
خطة بريطانيا
لهذا السبب لدى حكومتنا هذه خطة لبريطانيا. خطة تحقق لنا التوصل للاتفاق المناسب في الخارج وضمان توفير اتفاق أفضل للمواطنين العاديين العاملين في بلدنا. ولهذا السبب تحدد هذه الخطة كيفية استغلال لحظة التغيير هذه لبناء اقتصاد أكثر قوة ومجتمع أكثر إنصافا عن طريق تبني إصلاح اقتصادي واجتماعي حقيقي.
ونعمل على تطوير استراتيجية صناعية حديثة لضمان أن يتمكن كل من أجزاء المملكة المتحدة ومناطقها من الاستفادة لأقصى حد من الفرص التي أمامنا. وسوف نبذل مزيدا من الجهد لإصلاح مدارسنا لضمان أن تتوفر لكل طفل المعرفة والمهارات التي يحتاجونها للنجاح في بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وبينما نسعى لخفض عجز الميزانية، سوف نتبع مقارنة متوازنة بالاستثمار في بنيتنا التحتية الاقتصادية – ذلك لأنه يمكنها إحداث نقلة كبيرة في إمكانات نمو اقتصادنا، وتحسين مستوى معيشة كل من يعيش أنحاء بلدنا.
ولهذا السبب سنضع الحفاظ على اتحادنا الثمين في صميم كل ما نفعله. ذلك لأن فقط بتضافرنا معا كاتحاد عظيم من الأمم والشعوب يمكننا تحقيق أفضل فائدة من الفرص التي أمامنا.
إن نتيجة الاستفتاء لم تكن قرارنا بالانطواء على أنفسنا والانسحاب من العالم. ذلك نظرا للطبيعة العالمية لتاريخ وثقافة بريطانيا.
نحن بلد أوروبي – ونفتخر بتراثنا الأوروبي المشترك – لكننا كذلك بلد طالما تطلّع إلى العالم الأوسع خارج أوروبا. وهذا ما يجعلنا واحدة من أكثر دول أوروبا تنوعا بأجناس من يعيشون فيه، وواحدة من أكثر أعضاء الاتحاد الأوروبي تنوعا بثقافاته. ولهذا السبب – سواء كنا نتحدث عن الهند أو باكستان أو بنغلادش أو أمريكا أو أستراليا أو كندا أو نيوزيلندا أو دول في أفريقيا أو حتى دول أقرب إلينا في أوروبا – لدى الكثير منا أصدقاء وأقرباء من أنحاء العالم.
ونحن بفطرتنا شعب يريد السفر إلى والتعلم في والتجارة مع دول ليست فقط في أوروبا، بل كذلك خارج حدود قارتنا. وحتى بينما نتخذ الاستعدادات الآن للخروج من الاتحاد الأوروبي، نخطط للاجتماع التالي لرؤساء حكومات دول الكومنولث الذي سيعقد في 2018 – وهذا تذكير بعلاقاتنا العالمية الفريدة التي نفتخر بها.
رسالة من بريطانيا إلى سائر أوروبا
من الضروري كذلك أن ندرك أهمية هذه الحقيقة. 23 يونيو لم يكن يوما اختارت فيه أوروبا التقهقر من العالم والانطواء على نفسها، بل كان يوما اخترنا فيه بناء بريطانيا عالمية حقا.
أعلم أن هذا السبب – وغيره من الأسباب التي دعت بريطانيا لاتخاذ هذا القرار – ليس واضحا تماما بالنسبة لأصدقائنا وحلفائنا في أوروبا. وأعلم أن الكثيرين يخشون أن يكون هذا القرار نذيرا بتفكك أكبر للاتحاد الأوروبي.
لكنني أود أن أؤكد بوضوح بأن ذلك ليس ما نريده أن يحدث. حيث لن يكون من مصلحة بريطانيا. بل يظل نجاح الاتحاد الأوروبي يشكل مصلحة وطنية دامغة لبريطانيا. ولهذا السبب آمل في الشهور والسنوات القادمة أن نتفكر جميعنا بالدروس المستقاة من قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي اسمحوا لي أن أنتهز هذه الفرصة لاستعراض أسباب قرارنا، ومخاطبة شعوب أوروبا مباشرة.
لم يكن اتخاذنا لهذا القرار بسبب الطبيعة الدولية لتاريخنا وثقافتنا، رغم أهميتها. لكن الكثيرين في بريطانيا شعروا دائما بأن مكان المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي كان على حساب روابطنا العالمية، وعلى حساب تأسيس تجارة حرة أكثر جرأة مع العالم الأوسع.
وهناك أسباب أخرى هامة كذلك. فهناك اختلافات في تقاليدنا السياسية. فخلافا لما هو الحال في دول أوروبية أخرى، ليس لدينا دستور مكتوب، بل إن مبدأ السيادة البرلمانية لدينا يقوم على أساس تسوية دستورية غير مكتوبة. وتاريخنا قريب العهد فيما يتعلق بتفويض أمور الحوكمة للحكومات المحلية – رغم أنها سرعان ما رسخت – وتاريخ قصير بمجال الائتلاف الحاكم.
ويتوقع الشعب مساءلة حكوماته مباشرة، وبالنتيجة فإن المؤسسات فوق الوطنية القوية كالتي أسسها الاتحاد الأوروبي تجد نفسها غير مرتاحة تماما لتاريخنا السياسي وطريقة حياتنا.
وبينما أدرك أن ربما كان ينظر إلى بريطانيا أحيانا على أنها دولة عضو عسيرة، وجد الاتحاد الأوروبي صعوبة في التعامل مع تنوع واهتمامات دوله الأعضاء. حيث يميل الاتحاد إلى الاتساق وليس المرونة.
وكانت مفاوضات ديفيد كاميرون محاولة أخيرة عازمة لضمان حصول بريطانيا على ما تقبل به – وأود أن أشكر كل من ساعده في أوروبا في سبيل الوصول إلى اتفاق – لكن الحقيقة الواضحة، كما نعرفها، هي أنه لم تكن هناك مرونة كافية في الكثير من الأمور الهامة بالنسبة لغالبية البريطانيين.
لا أعتقد أن هذه المسائل تنطبق بشكل فريد على بريطانيا. فهي ليست الدولة العضو الوحيدة التي فيها ارتباط قوي بحكومة ديموقراطية تخضع للمساءلة، أو لديها توجه دولي قوي، أو لديها اعتقاد بأهمية الاحتفاء بالتنوع في أوروبا. كما إنني أعتقد بأن في قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي درس ليس فقط لبريطانيا، بل كذلك للاتحاد الأوروبي نفسه إن أراد أن ينجح.
ذلك لأن قوة قارتنا تكمن دائما في تنوعها. وهناك طريقتان للتعامل مع الاهتمامات المختلفة. يمكنكم الاستجابة عن طريق محاولة الحفاظ على التماسك بالقوة، وتضييق قبضة قوية تؤدي إلى سحق ما تريدون حمايته. أو يمكنكم احترام الاختلاف، بل وحتى حمايته، وإصلاح الاتحاد الأوروبي ليكون تعامله أفضل مع التنوع الرائع في أعضائه.
وبالتالي أود أن أقول لأصدقائنا في أنحاء أوروبا بأن تصويتنا للخروج من الاتحاد الأوروبي لم يكن رفضا للقيم التي نشترك بها. ولم يكن قرارنا هذا رغبة بأن نزداد بعدا عنكم، عن أصدقائنا وجيراننا. كما لم يكن قرارنا هذا محاولة لإيذاء الاتحاد الأوروبي بحد ذاته أو أي من دوله الأعضاء الأخرى. حيث أننا لا نرغب بالعودة بعقارب الساعة إلى الأيام التي كانت فيها أوروبا أقل سلما وأقل أمنا وأقل قدرة على التجارة بحرية. بل كان تصويتنا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، كما نراه، هو لاستعادة ديموقراطيتنا البرلمانية، وتقرير مصيرنا وطنيا، ولكي نصبح أكثر عالمية ودولية بالفعل والروح.
سوف نستمر بأن نكون شركاء يُعتمد عليهم، وحلفاء مستعدين للتعاون، وأصدقاء مقربين. نريد الاستمرار في شراء سلعكم وخدماتكم، وأن نبيعكم سلعنا وخدماتنا، وأن نتاجر معكم بأكبر قدر من الحرية، وأن نعمل مع بعضنا البعض لضمان أن نكون جميعنا أكثر أمانا وأمنا وازدهارا من خلال صداقتنا المستمرة.
وسوف نستمر بالترحيب بكم في بلدنا، مثلما نأمل أن تستمروا بالترحيب بمواطنينا في بلدانكم. وحين نواجه تهديدا خطيرا من أعدائنا، سوف تستمر قدراتنا الاستخباراتية الفريدة في المساعدة لحماية الشعوب في أوروبا من الإرهاب. وحين يتنامى القلق بشأن أمن أوروبا، سوف تواصل القوات البريطانية المتمركزة في دول أوروبية، بما فيها إستونيا وبولندا ورومانيا، أداء واجبها.
سوف نخرج من الاتحاد الأوروبي، وليس من أوروبا. ولهذا السبب نسعى إلى شراكة جديدة ومتساوية – بين بريطانيا عالمية مستقلة وتحكم شؤونها بنفسها وأصدقائنا وحلفائنا في الاتحاد الأوروبي.
نحن لا نسعى إلى عضوية جزئية في الاتحاد الأوروبي، أو عضوية منتسبة في الاتحاد الأوروبي، أو أي شكل من الترتيبات التي تتركنا ما بين داخل وخارج الاتحاد الأوروبي. لن نسعى للتمسك ببعض أوجه العضوية حين نخرج من الاتحاد الأوروبي.
كلا، المملكة المتحدة سوف تخرج من الاتحاد الأوروبي. ومهمتي هي التوصل لاتفاق مناسب لبريطانيا في سعينا للخروج منه.
الغايات والطموحات
وبالتالي أود اليوم استعراض غاياتنا بشأن المفاوضات التي أمامنا. لدينا اثنى عشر غاية تشكل هدفا كبيرا واحدا: شراكة جديدة إيجابية وبناءة ما بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وفي تفاوضنا على تلك الشراكة، سيكون دافعنا بعض المبادئ البسيطة: سوف نوفر أكبر قدر ممكن من اليقين والوضوح في كل مرحلة من المراحل. وسوف ننتهز هذه الفرصة لجعل بريطانيا أكثر قوة، وأكثر إنصافا، وكذلك لبناء بريطانيا أكثر عالمية.
اليقين والوضوح
1. اليقين
الغاية الأولى ضرورية جدا. سوف نوفر سبل اليقين حالما استطعنا. فنحن على وشك الدخول في مفاوضات. ذلك يعني سيكون هناك أخذ وعطاء، ولا بد من تقديم تنازلات. وذلك يتطلب اتساع خيال كلا الجانبين. ولن يتمكن أحد من معرفة كل شيء في كل مرحلة. لكنني أدرك مدى أهمية توفير أكبر قدر من اليقين للشركات وللقطاع العام وللجميع خلال مسار العملية.
وبالتالي سوف نوفر اليقين حيثما أمكننا ذلك. لهذا السبب تصرفنا سريعا في السنة الماضية لتوضيح المسائل المتعلقة بالدفعات المقدمة للمزارع وتمويل الجامعات. ولهذا السبب، لدى عملنا على إبطال قانون المجتمعات الأوروبية، سوف نحول قانون الجهاز المعني بالخروج من الاتحاد الأوروبي إلى قانون بريطاني.
فذلك يوفر أكبر قدر من اليقين لبلدنا بينما نحن بصدد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي اليوم التالي لخروجنا من الاتحاد الأوروبي سوف تنطبق نفس القواعد والقوانين التي كانت مطبقة من قبل. وسيكون للبرلمان البريطاني القرار بشأن أي تغييرات تدخل على ذلك القانون بعد خضوعها لبحث شامل ونقاش برلماني مناسب.
وفيما يتعلق بالبرلمان، هناك سبيل واحد آخر أود من خلاله توفير اليقين. يمكنني أن أؤكد اليوم بأن الحكومة سوف تطرح الاتفاق النهائي الذي تتوصل إليه المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي للتصويت عليه في كلا البرلمانين قبل دخوله حيز النفاذ.
بريطانيا أكثر قوة
المبدأ الثاني الذي نسترشد به هو بناء بريطانيا أكثر قوة.
2. ضبط قوانيننا بأنفسنا
ذلك يعني أن نكون مسؤولين عن شؤوننا الخاصة بنا، وقد طالب الملايين ممن صوتوا للخروج من الاتحاد الأوروبي بأن نفعل ذلك.
وبالتالي سوف نستعيد التحكم بقوانيننا ونضع نهاية لولاية محكمة العدل الأوروبية على بريطانيا. الخروج من الاتحاد الأوروبي يعني سن قوانيننا في ويسمنستر وإدنبرة وكارديف وبلفاست. وسوف يفسر تلك القوانين قضاة في محاكم في أنحاء بلدنا، وليس قضاة في لوكسمبورغ. حيث لن نخرج حقا من الاتحاد الأوروبي إن لم نكن نتحكم بقوانيننا بأنفسنا.
3. تعزيز الاتحاد
كون بريطانيا أكثر قوة يتطلب أن نفعل شيئا آخر – تعزيز الاتحاد الثمين ما بين الأجزاء الأربعة التي تشكل المملكة المتحدة. ففي هذه اللحظة التاريخية، من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن نواجه المستقبل معا، متحدين بما فيه قوتنا: الروابط التي توحدنا كشعب، واهتمامنا المشترك بأن تكون المملكة المتحدة مستقبلا بلدا تجاريا ناجحا ومنفتحا.
وإنني آمل أن تكون هذه الروح ذاتها سائدة في أيرلندا الشمالية تحديدا في الشهور القادمة خلال الانتخابات البرلمانية هناك، وأن تعمل الأحزاب الأساسية مع بعضها البعض لإعادة تشكيل حكومة قائمة على الشراكة في أسرع وقت ممكن. بالطبع سوف تظل الشؤون الخارجية مسؤولية الحكومة البريطانية. وسوف نحرص في تعاملنا مع الشؤون الخارجية على العمل لما هو في مصلحة كافة أجزاء المملكة المتحدة. وإنني، كرئيسة للوزراء، آخذ هذه المسؤولية على محمل الجد.
كما إنني عازمة، منذ البداية، على إشراك الحكومات المفوضة في بلدان المملكة المتحدة تماما في هذه العملية. لهذا السبب شكلت الحكومة اللجنة الوزارية المشتركة بشأن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، لكي يتمكن وزراء من كل من الحكومات المفوضة في المملكة المتحدة من المساهمة في عملية التخطيط لخروجنا من الاتحاد الأوروبي.
وقد تلقينا بالفعل ورقة من الحكومة الاسكتلندية، ونتطلع قدما لاستلام ورقة من حكومة ويلز عما قريب. وسوف نعتبر كلتا الورقتين جزءا من هذه العملية المهمة. لن نوافق على كل شيء، لكنني أتطلع قدما للعمل مع الحكومات في اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية لتحقيق اتفاق للخروج من الاتحاد الأوروبي يصلح لكافة المملكة المتحدة.
جزء من ذلك سوف يعني العمل بكل دقة لنضمن عودة الصلاحيات المناسبة إلى ويستمنستر– لدى استعادة الصلاحيات من بروكسيل إلى بريطانيا - وتحويل الصلاحيات المناسبة إلى الحكومات المفوضة في اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية. وبينما نفعل ذلك، سوف نسترشد بمبدأ ضمان عدم خلق أي عقبات – لدى خروجنا من الاتحاد الأوروبي – بشأن العيش وإقامة علاقات عمل ضمن اتحادنا.
ذلك يعني الالتزام بالمعايير والأطر المشتركة اللازمة لسوقنا المحلية، وتمكين المملكة المتحدة كدولة تجارية منفتحة للتوصل لأفضل اتفاقيات تجارية في أنحاء العالم، وحماية الموارد المشتركة في جزرنا. وبينما نفعل ذلك، أود أن أوضح كذلك بأن الحكومات المفوضة لن تُحرم من قدرتها على اتخاذ القرارات التي تتخذها حاليا.
4. الإبقاء على منطقة حرية السفر المشتركة مع أيرلندا
لا يمكن أن ننسى بأن لدى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، سوف يستمر وجود حدود برية مشتركة معه. وسيكون الإبقاء على منطقة حرية السفر المشتركة مع جمهورية أيرلندا يعتبر أولوية بالنسبة للمملكة المتحدة في المفاوضات التي أمامنا. هذه المنطقة قائمة بين المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية منذ سنوات كثيرة. وقد تأسست هذه المنطقة قبل أن يصبح أي من بلدينا عضوا في الاتحاد الأوروبي. كما إن الروابط الأسرية والعلاقات الودية التي تربط بين بلدينا تعني استمرار العلاقات الخاصة بيننا.
وبالتالي سوف نعمل للتوصل إلى حل عملي يتيح حماية منطقة حرية السفر المشتركة مع جمهورية أيرلندا، وفي نفس الوقت حماية نظام الهجرة البريطاني. لا أحد يريد العودة إلى حالة الحدود كما كانت في الماضي، لذا فإن أولويتنا هي الخروج بحل عملي في أسرع وقت ممكن.
بريطانيا أكثر إنصافا
المبدأ الثالث هو بناء بريطانيا أكثر إنصافا. ذلك يعني ضمان أن تكون منصفة لكل من يعيش ويعمل فيها.
5. ضبط الهجرة
لهذا السبب سنضمن استطاعتنا ضبط هجرة القادمين إلى بريطانيا من أوروبا. سوف نواصل استقطاب ألمع وأفضل الناس للعمل أو الدراسة في بريطانيا – ولا بد وأن يظل انفتاحنا لاستقبال المواهب الدولية واحدا من أفضل ما يميزنا – لكن تجب إدارة تلك العملية بشكل مناسب كي يخدم نظام الهجرة لدينا مصالحنا الوطنية.
وبالتالي سوف نتحكم بعدد القادمين إلى بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ذلك لأن بينما أن ضبط الهجرة يمكن أن يحقق منافع هائلة – من قبيل سد النقص في المهارات، وتقديم الخدمات العامة، وجعل الشركات البريطانية متفوقة عالميا كما هي عادة – حين ترتفع أعداد المهاجرين أكثر من اللازم، يتراجع التأييد الشعبي لنظام الهجرة.
لقد شهدنا في العقد الماضي أو ما نحوه مستويات قياسية من الهجرة الصافية إلى بريطانيا، وذلك الكم الهائل من المهاجرين تسبب بضغوط كبيرة على الخدمات العامة المقدمة.
بريطانيا بلد منفتح ومتسامح. وسوف نرغب دائما بقدوم مهاجرين إليها، وخصوصا ذوي المهارات العالية، كما سوف نرغب دائما بقدوم مهاجرين من أوروبا، وسنرحب دائما بالمهاجرين الأفراد كأصدقاء. إلا أن رسالة الشعب البريطاني قبل وخلال حملة الاستفتاء كانت واضحة: الخروج من الاتحاد الأوروبي يعني ضبط عدد القادمين إلى بريطانيا من أوروبا. وهذا ما سنحققه.
6. حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، وحقوق البريطانيين في الاتحاد الأوروبي
الإنصاف يتطلب منا التعامل مع مسألة أخرى كذلك بأسرع وقت ممكن. نريد أن نضمن، في أقرب فرصة ممكنة، حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون حاليا في بريطانيا، وحقوق البريطانيين الذين يعيشون في دول الاتحاد. وقد قلت لقادة دول الاتحاد الأوروبي الآخرين بأننا يمكن أن نوفر فورا الضمان الذي يريده المواطنون، وأن نتوصل الآن لاتفاق بهذا الشأن.
الكثير من قادة أوروبا يفضلون التوصل لاتفاق كهذا – بينما هناك واحد أو اثنان من قادة أوروبا ممن لا يفضلونه – لكنني أريد أن يعلم الجميع بأن تسوية هذا التحدي في أسرع وقت ممكن يشكل أهمية بالنسبة لبريطانيا، وبالنسبة للعديد من الدول الأعضاء الأخرى. ذلك لأن فعله صواب وإنصاف.
7. حماية حقوق العاملين
كون بريطانيا أكثر إنصافا يعني أنها بلد يحمي ويعزز حقوق من يعملون فيها. لهذا السبب، حين نتبنى غالبية القانون الأوروبي في تشريعاتنا المحلية، سوف نضمن حماية وصيانة حقوق كل من يعملون هنا.
والحكومة، تحت قيادتي، سوف تعمل ليس فقط على حماية حقوق العاملين المشار إليها في التشريعات الأوروبية، بل كذلك التوسع بهذه الحقوق. ذلك لأننا سوف نضمن، في ظل هذه الحكومة، أن تواكب الحماية القانونية للعاملين التغييرات في سوق العمل – وأن تكون أصوات العاملين مسموعة، ولأول مرة، لدى مجالس إدارة الشركات المدرجة في البورصة.
بريطانيا عالمية حقا
لكن الجائزة الكبرى بالنسبة لبلدنا – الفرصة التي أمامنا – هي استغلال هذه اللحظة لبناء بريطانيا عالمية حقا. بلد يمد يده لأصدقاء قدماء وحلفاء جدد على حد سواء. بلد تجاري عالمي حقا. وواحد من أشد المدافعين عن التجارة الحرة في أي مكان بالعالم.
8. تجارة حرة مع الأسواق الأوروبية
تبدأ التجارة الحرة مع أصدقائنا المقربين في أوروبا. وبالتالي فإننا سوف نسعى، كأولوية، للتوصل إلى اتفاقية جريئة وطموحة بشأن التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. من شأن هذه الاتفاقية أن تتيح أكبر قدر من الحرية في تجارة السلع والخدمات بين بريطانيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كما أنها ستتيح للشركات البريطانية أكبر قدر من الحرية للمتاجرة والعمل ضمن الاتحاد الأوروبي – والسماح للشركات الأوروبية بحرية المتاجرة والعمل في بريطانيا.
لكنني أود توضيح أن ما أقترحه لا يمكن أن يعني عضويتنا في السوق الموحدة. حيث قال قادة أوروبيون في عدة مناسبات بأن تلك العضوية تعني قبول “4 حريات”: حرية حركة السلع ورؤوس الأموال والخدمات والمواطنين. وكوننا خارج الاتحاد الأوروبي لكن داخل السوق الموحدة سوف يعني الالتزام بقواعد وتنظيمات الاتحاد الأوروبي التي تطبق هذه الحريات، لكن دون أن يكون لنا صوت بشأن ماهية هذه القواعد والتنظيمات. كما يعني ذلك القبول بدور لمحكمة العدل الأوروبية وبالتالي استمرار ولايتها القضائية المباشرة في بلدنا.
ذلك يعني بالنسبة لكافة النوايا والأغراض عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي نهائيا. ولذلك السبب أوضح كلا الجانبين خلال حملة الاستفتاء بأن التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي يعني التصويت على الخروج من السوق الموحدة.
وبالتالي لا نسعى إلى عضوية في السوق الموحدة. بل نسعى إلى إتاحة أكبر قدر ممكن من التجارة معها من خلال اتفاقية جديدة للتجارة الحرة تكون شاملة وجريئة وطموحة. تلك الاتفاقية قد تتضمن بعض عناصر الترتيبات الحالية المعمول بها في السوق الموحدة في مجالات معينة – بشأن تصدير السيارات والشاحنات، على سبيل المثال، أو حرية تقديم خدمات مالية عبر الحدود الوطنية – حيث من غير المنطقي البدء من الصفر في الوقت الذي تلتزم به بريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي بنفس القواعد منذ سنوات طويلة.
لكنني أحترم موقف قيادات أوروبا الذين عبروا عن موقفهم بوضوح، مثلما أنا أعبر بوضوح عن موقفي. وبالتالي فإن السعي لإتاحة أكبر قدر ممكن من التعامل مع السوق الأوروبية الموحدة على أساس المعاملة بالمثل، ومن خلال اتفاقية للتجارة الحرة، يعتبر جزءا هاما من الاستراتيجية الجديدة التي نسعى إليها مع الاتحاد الأوروبي.
ونظرا لأننا لن نكون بعد خروجنا من الاتحاد الأوروبي عضوا في السوق الموحدة، لن يتعين علينا المساهمة بمبالغ طائلة في ميزانية الاتحاد الأوروبي. قد تكون هناك برامج أوروبية معينة قد يكون علينا المساهمة فيها، وفي هذه الحالة – وسيكون هذا القرار قرارنا – سيكون من المنطقي أن ندفع مساهمة مناسبة. لكن المبدأ واضح: الأيام التي تقدم فيها بريطانيا مساهمات هائلة للاتحاد الأوروبي سنويا سوف تنتهي.
9. اتفاقيات تجارية جديدة مع الدول الأخرى
لكن اهتمامنا لا ينحصر بالتجارة مع الاتحاد الأوروبي فقط. بل بريطانيا العالمية يجب أن تكون لديها حرية التوصل لاتفاقيات تجارية مع دول من خارج الاتحاد الأوروبي أيضا. ذلك لأن رغم أهمية تجارتنا مع الاتحاد الأوروبي حاليا ومستقبلا، فإن بريطانيا بحاجة لزيادة تجارتها بدرجة كبيرة مع أسرع أسواق الصادرات نموا في العالم.
إن نسبة التجارة بمقابل إجمالي الناتج المحلي شهدت ركودا بشكل عام منذ انضمامنا للاتحاد الأوروبي. لهذا السبب حان وقت انطلاق بريطانيا إلى العالم ومعاودة اكتشاف دورها كأمة تجارية عالمية عظيمة. وذلك يشكل أهمية كبيرة بالنسبة لي، لدرجة أنني حين توليت منصب رئيسة الوزراء أسست، لأول مرة، وزارة التجارة الدولية التي يرأسها الوزير ليام فوكس.
نريد الانطلاق إلى العالم الأوسع، وأن نتاجر ونقيم علاقات عمل في كافة أنحاء العالم. وهناك دول مثل الصين والبرازيل ودول الخليج أعربت عن اهتمامها بالتوصل لاتفاقيات تجارية معنا. وقد بدأنا مباحثات بشأن الروابط التجارية مستقبلا مع دول كأستراليا ونيوزيلندا والهند. كما قال الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب بأن بريطانيا “ليست في نهاية قائمة الانتظار” للتوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، والتي هي أكبر اقتصاد في العالم، بل هي على رأس القائمة.
أعلم بأن تأكيدي على التوصل لاتفاقيات تجارية مع دول خارج الاتحاد الأوروبي قد طرح تساؤلات بشأن سعي بريطانيا للبقاء عضوا في الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي. أود أن تتمكن بريطانيا من التفاوض بشأن اتفاقيات خاصة بها. لكنني أريد كذلك تجارة بلا تعرفة جمركية مع أوروبا، وأن تكون التجارة عبر الحدود معها سلسلة قدر الإمكان.
ذلك يعني بأنني لا أريد أن تكون بريطانيا جزءا من السياسة التجارية المشتركة، كما لا أريد أن نرتبط بالتعرفة الجمركية الخارجية المشتركة. فهذه عناصر من الاتحاد الجمركي تقف حائلات أمام قدرتنا على التوصل لاتفاقيات تجارية شاملة تخصنا مع الدول الأخرى. لكنني أرغب بالتوصل لاتفاق جمركي مع الاتحاد الأوروبي.
لكن ليس لديّ موقف مسبق بهذا الشأن، سواء كان ذلك يعني أن علينا التوصل لاتفاقية جمركية جديدة تماما، أو أن نصبح عضوا منتسبا بالاتحاد الجمركي بشكل ما، أو أن نظل منتسبين لبعض عناصره. حيث أنني سوف أتقبل أفكارا بهذا الصدد. فالمهم هنا هو الغاية بحد ذاتها، وليس سبل تحقيقها.
وتلك الغايات واضحة: أود إزالة أكبر قدر من العقبات أمام التجارة. وأريد أن تكون لبريطانيا حرية التوصل لاتفاقيات تجارية جديدة ليس فقط مع الاتحاد الأوروبي، بل كذلك مع أصدقاء قدامى وحلفاء جدد من خارج الاتحاد الأوروبي.
10. أفضل مقر للعلوم والابتكار
بريطانيا العالمية هي أيضا بلد يتطلع إلى المستقبل. ذلك يعني أن نكون واحدا من أفضل الأماكن في العالم بالنسبة للعلوم والابتكار. ومن نقاط قوتنا كبلد اتساع وعمق مجتمعاتنا الأكاديمية والعلمية، التي يدعمها بعض من أفضل جامعات العالم. ولدينا تاريخ نفتخر به في قيادة ودعم الأبحاث والابتكارات المتطورة.
وبالتالي فإننا نرحب كذلك بالاتفاق على مواصلة التعاون مع شركائنا الأوروبيين في المبادرات العلمية والبحثية والتكنولوجية الكبيرة. وسوف تظل بريطانيا في طليعة المساعي المشتركة، في مجالات من استكشاف الفضاء وحتى الطاقة النظيفة والتقنيات الطبية، لتحقيق فهم أفضل للعالم الذي نعيش فيه وتحسينه.
11. التعاون بمجال مكافحة الجريمة والإرهاب
كما ستواصل بريطانيا العالمية التعاون مع شركائها الأوروبيين في مجالات هامة كمكافحة الجريمة والإرهاب، وكذلك بمجال الشؤون الخارجية.
حيث نواجه جميعنا في أوروبا تحديات متمثلة بالجريمة العابرة للحدود، والتهديد الإرهابي القاتل، والأخطار التي تشكلها دول معادية. وجميعنا نشترك بنفس المصالح والقيم المشتركة، وهي قيم نريد أن نشهد انتشارها في أنحاء العالم. ومع نمو خطورة التهديدات لأمننا المشترك، لا يمكن أن يكون الرد عليها بتقليل التعاون مع بعضنا البعض، بل تعزيز العمل معا. وبالتالي أريد لعلاقاتنا مستقبلا مع الاتحاد الأوروبي أن تشمل ترتيبات عملية حول مسائل تطبيق القانون ومشاركة المعلومات الاستخباراتية مع حلفائنا في الاتحاد الأوروبي.
وإنني أفتخر بالدور الذي لعبته بريطانيا، وسوف تواصل لعبه، في الترويج لأمن أوروبا. فقد كان لبريطانيا دور رائد في التدابير اللازمة لحماية أمن قارتنا – سواء كان ذلك في تطبيق عقوبات ضد روسيا بعد عمليتها في القرم، أو العمل لأجل السلام والاستقرار في دول البلقان، أو تأمين الحدود الخارجية لأوروبا. وسوف نواصل العمل عن قرب مع حلفائها الأوروبيين بمجال السياسة الخارجية والدفاعية حتى بعد خروجنا من الاتحاد الأوروبي.
مقاربة تدريجية
12. خروج من الاتحاد الأوروبي بشكل سلس ومنظم
تلك هي غاياتنا بالنسبة للمفاوضات التي أمامنا – غايات تساعد في تحقيق طموحنا بإعادة رسم صورة بريطانيا العظمى كبلد أكثر قوة وإنصافا، وهي الصورة التي نريد أن نراها. وهذا الغايات أساس لشراكة جديدة وقوية وبناءة مع الاتحاد الأوروبي – شراكة أصدقاء وحلفاء ومصالح وقيم. شراكة لأجل اتحاد أوروبي قوي ومملكة متحدة قوية.
لكن هناك غاية أخرى لنا. فكما قلت سابقا – ليس من مصلحة أحد كون الشركات على حافة الهاوية أو التعرض لخطر زعزعة استقرارنا لدى انتقالنا من علاقات قائمة إلى شراكة جديدة مع الاتحاد الأوروبي.
لا أعني بذلك أننا نسعى إلى ضمان شكل من أشكال حالة انتقالية غير محدودة، نجد أنفسنا فيها عالقين للأبد في طواحين شكل من أشكال المعاناة السياسية الدائمة. فذلك لن يكون من مصلحة بريطانيا، كما أنني أعتقد أنه ليس من مصلحة الاتحاد الأوروبي.
بل إن ما أعنيه هو أننا نريد أن نتوصل لاتفاق بشأن شراكتنا مستقبلا بحلول انتهاء فترة العامين التي هي فترة العملية اللازمة منذ إطلاق المادة 50. ومن تلك اللحظة فما بعد، نعتقد بأن من مصلحتنا المشتركة أن نتبنى عملية تطبيق تدريجية يمكن خلالها لكل من بريطانيا ومؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء الإعداد للترتيبات الجديدة التي ستنشأ بيننا. فذلك يمنح الشركات الوقت الكافي للتخطيط والإعداد لتلك الترتيبات.
قد تكون هذه الترتيبات متعلقة بضوابط الهجرة لدينا، أو أنظمتنا الجمركية، أو طريقة تعاوننا في المسائل الجنائية. أو قد تتعلق بمستقبل الأطر القانونية والتنظيمية المتعلقة بالخدمات المالية. وقد يختلف الوقت الذي نحتاجه لتطبيق الترتيبات الجديدة باختلاف المجال المعني. فقد يمكن تطبيق بعضها سريعا جدا، بينما قد يستغرق بعضها الآخر وقتا أطول. ومن المرجح أن تكون الترتيبات المؤقتة التي نعتمد عليها موضوعا مطروحا للتفاوض.
لكن الغرض واضح: سوف نسعى إلى تجنب الوقوف على حافة الهاوية، وسنبذل كل ما في وسعنا لإدخال الترتيبات الجديدة التي نحتاجها بينما تنتقل بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى شراكة جديدة.
الاتفاق المناسب لبريطانيا
إذا هذه هي الغايات التي حددناها، حيثما كان ممكنا بالطبع: التحكم بقوانيننا الخاصة بنا، وتقوية المملكة المتحدة، والإبقاء على منطقة حرية السفر المشتركة مع أيرلندا، وضبط الهجرة، وحماية حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا وحقوق البريطانيين في الاتحاد الأوروبي، وتحسين حقوق العاملين، وحرية التجارة مع الأسواق الأوروبية، واتفاقيات تجارية جديدة مع دول أخرى، ودور رائد في مجال العلوم والابتكار، والتعاون في مسائل الجريمة والإرهاب والشؤون الخارجية، ومقاربة تدريجية تحقق خروجا سلسا ومنتظما من الاتحاد الأوروبي.
هذا هو إطار الاتفاق الذي سيكون انطلاقا لشراكة جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. إنها خطة شاملة ومدروسة بعناية تركز على الغايات، لا على سبل تحقيقها – مع تركيز نظرنا بثبات على المستقبل والشكل الذي سيكون عليه بلدنا لدى خروجنا من الاتحاد الأوروبي. إنها تعكس الجهود الشاقة التي بذلها الكثير من المتواجدين هنا اليوم، الذين عملوا دون كلل أو ملل لوضع هذه الخطة ولإعداد بلدنا للمفاوضات التي أمامه مستقبلا.
أدرك بأن هذه الخطة سوف تناقَش وتُبحث باستفاضة. وهذا عين الصواب. لكن من يحثونا على كشف مزيد من التفاصيل – كتقديم كافة التفاصيل بشأن استراتيجيتنا المتعلقة بالمفاوضات، والمجالات التي يمكن أن نقدم تنازلات فيها، والمجالات التي نعتقد أن يمكن التوصل فيها لحلول وسط – لن يكون تصرفهم بمصلحتنا الوطنية.
هذه ليست لعبة ولا وقتا للمعارضة لمجرد المعارضة. بل هي مفاوضات مهمة جدا وحساسة من شأنها أن تحدد مصالح ونجاح بلدنا على مدى سنوات طويلة قادمة. وبالتالي من الضروري أن نتحلى بالانضباط.
لهذا السبب قلت من قبل – وسوف أستمر بقولي – بأن كل كلمة شاردة وكل تقرير إعلامي يثير ضجة إعلامية سيجعل من الأصعب علينا التوصل لاتفاق مناسب لبريطانيا. ونظراؤنا في المفوضية الأوروبية يعلمون ذلك تماما، ولهذا السبب يحافظون على انضباطهم. كما إن وزراء حكومتنا يعلمون ذلك، وهو سبب حفاظنا على انضباطنا نحن أيضا.
وبالتالي مهما شعر الناس بالإحباط تجاه عدم الإفصاح عن مزيد من التفاصيل، فإن الحكومة لن ترضخ للضغوط لقول أكثر مما أعتقد أنه في مصلحتنا الوطنية. ذلك لأن دوري هو ليس ملء أعمدة من التقارير الصحفية بتفاصيل يومية، بل دوري هو التوصل للاتفاق المناسب لبريطانيا. وهذا هو ما أعتزم عمله.
شراكة جديدة بين بريطانيا وأوروبا
إنني على ثقة من إمكانية التوصل لاتفاق وشراكة استراتيجية جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ذلك، أولا، لأن بعد إجرائي لمحادثات مع قائد كل من الدول الأعضاء تقريبا في الاتحاد الأوروبي، وبعد قضائي الوقت في الحديث مع كبار المسؤولين في المؤسسات الأوروبية، بمن فيهم رئيس الاتحاد الأوروبي توسك والرئيس يونكر والرئيس شولتز، وبعد أن أجرى زملائي من الوزراء ديفيد ديفيز وفيليب هاموند وبوريس جونسون لقاءات مماثلة مع نظرائهم، فإنني على ثقة بأن الغالبية العظمى ترغب بعلاقات إيجابية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد خروجنا من الاتحاد.
كما إنني على ثقة بأن الغايات التي أحددها اليوم متماشية مع احتياجات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء. لهذا السبب من بين غاياتنا اقتراح اتفاقية للتجارة الحرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والاستبعاد الصريح للعضوية في السوق الأوروبية الموحدة. وحين تقول 27 دولة عضو بأنها تريد مواصلة رحلتها داخل الاتحاد الأوروبي، فإننا نحترم تلك الحقيقة، بل ونؤيدها. ذلك لأننا لا نريد تقويض السوق الموحدة، كما لا نريد تقويض الاتحاد الأوروبي. بل نريد أن يكون الاتحاد الأوروبي منظمة ناجحة، وأن تستمر دوله الأعضاء بالازدهار. وبالطبع هذا كذلك ما نريده لبريطانيا.
والسبب الثاني لاعتقادي بإمكانية التوصل لاتفاق جيد هو أن نوع الاتفاقية التي وصفتها اليوم هي المنطق الاقتصادي الذي يجب أن تطمح إليه كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي. لأن التجارة ليست محصلة صفرية: بل إن مزيدا من التجارة يحقق مزيدا من الازدهار لنا جميعا. والتجارة الحرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تعني مزيدا من التجارة، ومزيد من التجارة يعني مزيدا من فرص العمل وتوليد ثروات أكبر. بينما وضع عقبات جديدة أمام التجارة يعني العكس تماما: تجارة أقل، وفرص عمل أقل، ونمو أقل.
أما السبب الثالث والأخير لاعتقادي بأن يمكننا التوصل للاتفاق المناسب هو أن هناك حاجة للتعاون بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ليس فقط بمجال التجارة، بل أيضا لضمان أمننا. فبريطانيا وفرنسا هما القوتان الوحيدتان في أوروبا اللتان تمتلكان قدرات نووية. ونحن الدولتان الأوروبيتان الوحيدتان اللتان تشغلان مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي. والقوات المسلحة البريطانية تشكل جزءا هاما من الدفاع الجماعي في أوروبا.
كما إن قدراتنا الاستخباراتية – وهي فريدة من نوعها في أوروبا – قد أنقذت حتى الآن أعداد لا تحصى من الأرواح في الكثير جدا من المخططات الإرهابية التي تم إحباطها في دول في أنحاء قارتنا. وترغب بريطانيا، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، بأن تحتفظ بعلاقات صداقة وجوار جيدة من كافة النواحي، بما فيها الدفاع عن أمن وسلامة كافة مواطنينا.
لذا أعتقد بأن الإطار الذي شرحته اليوم من مصلحة بريطانيا. وهو كذلك من مصلحة الاتحاد الأوروبي. كما إنه من مصلحة العالم الأوسع. لكن أود توضيح أن بريطانيا ترغب بأن تحتفظ بعلاقات صداقة وجوار جيدة مع أوروبا. لكني أعلم بأن البعض يطالب بأن يكون الاتفاق عقابيا لمعاقبة بريطانيا وتثبيط محاولة أي دول أخرى في الاتحاد لأن تحذو حذونا. ستكون تلك طامة تنطوي على أن تسبب دول أوروبا بالأذى لنفسها. كما أنه لن يكون عملا من شيم الأصدقاء. وبريطانيا لن تقبل – وليس باستطاعتها بكل تأكيد أن تقبل – بهذا التوجه. وبينما إنني على ثقة بأن لا حاجة أبدا لهذا السيناريو أن يقع – وبينما إنني على يقين بإمكانية التوصل لاتفاق إيجابي – فإنني واضحة كذلك بأن عدم التوصل لاتفاق نهائيا مع بريطانيا أفضل من التوصل لاتفاق غير محبذ بالنسبة لها.
ذلك لأن سيكون مع ذلك باستطاعتنا المتاجرة مع أوروبا، وسيكون باستطاعتنا إبرام اتفاقيات تجارية في أنحاء العالم. وستكون لنا حرية عرض نسبة ضريبية تنافسية واعتماد سياسات تستقطب إلى بريطانيا أفضل الشركات وأكبر المستثمرين. وفي حال حرماننا من الاستفادة من السوق الأوروبية الموحدة، ستكون لنا حرية تغيير أساس النموذج الاقتصادي لبريطانيا.
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، ذلك يعني وضع عقبات جديدة أمام التجارة مع واحدة من أكبر اقتصادات العالم. وسوف يضر باستثمارات الشركات الأوروبية في بريطانيا التي تفوق الترليون جنيه استرليني. ويعني كذلك عدم استطاعة الشركات الأوروبية من الاستفادة من الخدمات المالية في حي المال في لندن. كما سيلحق الضرر بالصادرات من الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا البالغة 290 مليار جنيه استرليني سنويا. وسيعرقل أيضا سلسلة الإمداد المتطورة والمتكاملة التي تعتمد عليها شركات الاتحاد الأوروبي.
كما إن قطاعات هامة في اقتصاد الاتحاد الأوروبي سوف تعاني. فنحن سوق تصدير مهمة – ومربحة – لقطاع السيارات الأوروبية، إلى جانب قطاعات كالطاقة والمواد الغذائية والمشروبات والمواد الكيميائية والصيدلانية والزراعة. وهذا القطاعات توظف ملايين الناس في أنحاء أوروبا. ولا أعتقد بأن قيادات الاتحاد الأوروبي سوف تقول للمصدّرين الألمان والمزارعين الفرنسيين وصائدي الأسماك الاسبان والعاطلين عن العمل من منطقة اليورو، وملايين غيرهم، بأنها تود أن تجعلهم أكثر فقرا لمجرد معاقبة بريطانيا وتحقيق نصر سياسي.
لكل هذه الأسباب – ونظرا لقيمنا المشتركة وروح حسن النية التي يتحلى بها كلا الجانبين – فإنني واثقة من أننا سنتبع مسارا أفضل. كما إنني على يقين من إمكانية التوصل لاتفاق إيجابي. من الصواب أن تستعد الحكومة لكافة الاحتمالات – لكن فعل ذلك مع معرفة بأن المقاربة البناءة والمتفائلة تجاه المفاوضات التي سندخل بها ستكون في مصلحة أوروبا وفي مصلحة بريطانيا.
الختام
إننا لا ندخل هذه المفاوضات متوقعين الفشل، بل آملين بالنجاح. ذلك لأننا بلد عالمي عظيم لديه الكثير جدا ليقدمه لأوروبا، والكثير جدا ليقدمه للعالم. إننا واحد من أكبر وأقوى اقتصادات العلم. ولدينا أفضل الأجهزة الاستخباراتية، وأكثر القوات المسلحة بسالة، وأكثر القوى العسكرية والدبلوماسية فعالية، والكثير من الصداقات والشراكات والتحالفات في كل قارة من القارات.
وهناك نقطة أخرى هامة، وهي العامل الأساسي في نجاحنا: تلك هي قوة وتأييد 65 مليون مواطن يريدون منا تحقيق النجاح. لأن بعد كل الانقسامات والاختلافات بين الناس، بدأوا الآن يتضافرون. كان الاستفتاء عامل فرقة أحيانا. وتلك الانقسامات استغرق التئامها بعض الوقت.
إن من أسباب نجاح الديموقراطية في بريطانيا طوال هذه السنوات العديدة قوة هويتنا كأمة واحدة، والاحترام الذي نبديه لبعضنا البعض كمواطنين. والأهمية التي نعلقها على مؤسساتنا تعني بأن لدى التصويت على أمر ما نحترم جميعنا نتيجة التصويت. وعلى الفائزين بالتصويت التصرف بطريقة سمحة، بينما يتعين على الخاسرين احترام شرعية النتيجة. وبذلك البلد يتضافر.
وهذا هو ما نراه اليوم. فالشركات لا تدعو إلى عكس تلك النتيجة، بل تخطط لتحقيق النجاح بعدها. وقد صوت مجلس العموم بأغلبية ساحقة تأييدا لنا للشروع في ذلك. كما إن الغالبية العظمى من المواطنين – بغض النظر عن شكل التصويت – تريد منا الشروع في العمل لتحقيق الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وهذا تماما ما سنفعله. ليس فقط تأسيس شراكة جديدة مع أوروبا، بل أيضا بناء بريطانيا لتكون أكثر قوة وإنصافا وعالمية أيضا. ولتكن تلك هي إرث عصرنا. الجائزة التي نطمح إليها. الوجهة التي سوف نصل إليها بمجرد الانتهاء من المفاوضات.
ولنفعل ذلك ليس لأنفسنا، بل للأجيال من بعدنا. لأبناء بريطانيا وأحفادها كذلك. وبالتالي حين تنظر الأجيال القادمة إلى وقتنا هذا، سوف تحكم علينا ليس فقط من حيث القرار الذي اتخذناه، بل كذلك ما فعلناه استجابة لذلك القرار.
سوف ترى الأجيال القادمة بأننا صنعنا مستقبلا أكثر إشراقا. وسوف تعلم بأننا بنينا بريطانيا أفضل.
Updates to this page
تاريخ آخر تحديث 3 February 2017 + show all updates
-
Added translation
-
First published.