بريطانيا تحتاج إلى حلفائها للوقوف معنا ضد روسيا
في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، أشار وزير الخارجية بوريس جونسون إلى التهديد الذي تشكله روسيا على منظومة الأمن العالمي.
من تقاليدنا في بريطانيا هي أن أي بلدة يكون فيها كاثدرائية تصبح مدينة. وقد اكتسبت سالزبري هذا اللقب قبل نحوٍ من 800 عام، وذلك بفضل كاثدرائيتها الرائعة التي ما زالت تتربّع فوق شوارعها.
ومن هنا يمكن للمرء أن يتصور مدى إحساس بريطانيا بالاشمئزاز - بل بانتهاك حُرمتها - بعد أن شهدت هذه المدينة الوادعة التي يعود بناؤها إلى العصور الوسطى أول استخدام عدواني بغيض لغاز أعصاب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور، فإن الهدف الأساسي، سيرغي سكريبل، وابنته يوليا يرقدان في وضع حرج في المستشفى. وكذلك الشرطي الذي هبَّ لمساعدتهما ما زال هو الآخر في المستشفى. هذا إلى جانب حوالي ثلاثين شخص آخر احتاجوا إلى علاج طبي لآنهم صدف أن كانوا بالقرب من المكان الذي أطلقت فيه تلك المادّة.
الصدفة فقط هي التي حالت دون إصابة المزيد من الناس اليوم؛ ومن الواضح أن مرتكبي الحادث لم يكن يعنيهم عدد الأبرياء الذين يمكن أن يتعرّضوا للخطر. إن ما علق بذهني هي اللامبالاة المتعجرفة - والصفاقة السافرة - لهذا الاعتداء.
لقد تعرّف خبراؤنا على السلاح المستعمل في سالزبري يوم 4 مارس بأنه غاز أعصاب من الجيل الرابع ومعروف باسم نوفيتشوك، وهو مصمَّم لتدمير الجهاز العصبي والتسبب بموتٍ بطيء.
كان العلماء الروس قد طوّروا نوفيتشوك بدءاً من سبعينات القرن الماضي. واليوم، روسيا هي الوحيدة التي تجمع ما بين سجل اغتيالات ترعاها الدولة، وحافز صريح معلن لمحاولة قتل سيرغي سكريبل، ومخزون غاز الأعصاب نوفيتشوك.
في يوم الإثنين، استدعيتُ السفير الروسي وأمهلت حكومته 36 ساعة لتبلغنا إن كان أي جزء من هذا المخزون قد فُقد.
ويؤسفني أن أقول إن المهلة انتهت دون وصول ردٍّ من الكرملين. وهكذا خلصت الحكومة البريطانية إلى الاستنتاج المعقول الوحيد: أن الدولة الروسية أقدمت على محاولة اغتيال في مدينة بريطانية، مستخدمة غاز أعصاب فتاك محظور بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية.
وفي يوم الأربعاء، اعلنت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، عن طرد أكبر عدد من الدبلوماسيين الروس من بريطانيا منذ أكثر من 30 عاما، إذ أمرت برحيل 23 من ضباط الاستخبارات غير المعلن عنهم. وسوف تتخذ الحكومة الآن سلسلة من الإجراءات لحماية بريطانيا من دول معادية وتفكيك شبكة التجسس الروسية في بلدنا.
بيد أن هذه المسألة تتجاوز حدود خلاف بين طرفين. فإن كان لدى الدولة الروسية استعداد لاستخدام سلاح محظور في مدينة بريطانية - وهو ما يرقى إلى درجة اعتباره استخداما غير قانوني للقوة ضد المملكة المتحدة - يصبح من الواضح عندئذ أن الكرملين مستعد للعمل دون أي ضوابط. والحقيقة المؤلمة هي أن ما حدث في سالزبري كان من الممكن أن يحدث في أي مكان آخر.
إنني أفسِّر هذا الحادث على أنه جزء من نمط من سلوك أرعن للرئيس فلاديمير بوتين. والخيط المشترك الذي يربط عملية التسميم في سالزبري، وضم القرم، والهجمات الإلكترونية في أوكرانيا، والاختراق الإلكتروني للبرلمان الألماني، وتدخل روسيا في انتخابات دول أجنبية إنما هو التحدي الأرعن من جانب الكرملين للقوانين الدولية الأساسية.
ولعلّ أبلغ ما يبرهن على ذلك هو أن روسيا بذلت قصارى جهودها لتخفي استخدام نظام الأسد في سورية للأسلحة الكيميائية. وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول، خلص تحقيق دولي إلى أن قوات بشار الأسد استعملت غاز الأعصاب السارين ضد بلدة خان شيخون في شهر إبريل 2017.
ومع ذلك، وبدلاً من إدانة الأسد، تسترت روسيا عليه باستخدامها الفيتو ضد تجديد تكليف لجنة التحقيق الدولية، ما أسفر في واقع الأمر إلى إغلاق التحقيق.
كم يصبح من السهل على دولة ما استخدام أسلحة كيميائية بعد أن تكون حكومتها قد سمحت لآخرين باستعمالها، وسعت إلى التستر عليهم؟ أودّ هنا إيجاد رابط بين إطلاق بوتين العنان للأسد وسكوته عن فظائعه في سورية وبين الاستعداد الواضح لدى الدولة الروسية لاستخدام سلاح كيميائي على التراب البريطاني.
هناك سبب لاختيار نوفوتشيك. ذلك أن غاز الأعصاب هذا، بكونه روسيّاً بشكل صارخ، يبعث بإشارة تحذير إلى كل الذين يفكرون بالانشقاق في ظل القمع المتعاظم في روسيا بوتين. والرسالة واضحة: سوف نعثر عليكم، وسوف نمسك بكم، وسوف نقتلكم - ومع أننا سننكر ذلك بازدراء، إلا أن العالم سيعرف دون أدنى شك أن روسيا هي من فعل ذلك.
بوصف روسيا عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي، فإن عليها التزاما خاصا بالحفاظ على قواعد السلوك الدولي الجيد. وعندما تفعل العكس وتدوس على هذه القواعد، فإن الكرملين يعرّض للخطر الأسس ذاتها التي يقوم عليها الأمن العالمي.
تقع على عاتق كل الدول المسؤولة مسؤولية التقيد بوقفة منضبطة ضد هذا التصرف. والإجراءات المضادة التي اعلنت عنها رئيسة الوزراء لا تنحصر فقط في الرد على اعتداء سالزبري. فبريطانيا تحاول جاهدة الحفاظ على القوانين التي تتوقف عليها سلامة كل البلدان. وكلي أملٌ وإيمان بأن أصدقاءنا سوف يقفون إلى جانبنا.
Updates to this page
تاريخ آخر تحديث 17 March 2018 + show all updates
-
Added translation
-
First published.