"علينا جميعاً ضمان تفوق قوى الاعتدال في سورية لمصلحة البلد والمنطقة والعالم"
كلمة وزير الخارجية، فيليب هاموند، أمام الاجتماع الوزاري مع الائتلاف الوطني السوري بشأن سورية.
يسرني أن أستضيف هذا الاجتماع إلى جانب السيد البحره، رئيس الائتلاف الوطني السوري، وزملائي من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وتركيا. كما يسرّني أيضاً أن الكثير من أصدقاء سورية فد لبّوا الدعوة وانضموا إلينا عصر اليوم. وأعرف أن عددا غير قليل من أصدقاء سورية ما زالوا في مجلس الأمن يشاركون في جلسة الرئيس أوباما الخاصة بالمقاتلين الأجانب، وأعتقد أن العديد منهم سوف ينضمون إلينا في غضون الدقائق الخمس عشرة أو العشرين القادمة، حين تنتهي تلك الجلسة.
نلتقي اليوم في وقتٍ حرج بالنسبة لسورية وللشرق الأوسط والعالم كله. وقتٍ نواجه فيه تحدياً خطراً جديداً من تنظيم داعش الذي وسّع رقعته في سورية والعراق، مزعزعا استقرار المنطقة وساعيا إلى تأسيس ما يُسمى “الخلافة”. إنها ظاهرة خطيرة ولا بدّ من سحقها. وستكون الضربات الجوية جزءاً من ذلك غير أن من الضروري أن يتضافر الردّ الأمني الصارم مع استراتيجية سياسية ذكية ودقيقة.
وعلاوة على خطر التطرف، فإن الشعب السوري ما زال يواجه استبداد الأسد، هذا الرجل الذي أمضى سنينا يمارس البطش والقمع الممنهج لشعبه.
يحاجج البعض بأن مواجهة جماعة داعش لا يترك لنا خياراً سوى التعاون مع الأسد، باعتباره أهون الشرّيْن، في الكفاح ضد أفكارها الفتاكة.
ولكنْ أقول إنّ لدينا الخيار.
وإن علينا أن نكون واضحين حيال سجل الأسد: فهو الذي ردّ على مظاهرة سلمية بالعنف، وهو الذي صعَّد العنف بعد ذلك ليشمل أكثر الأشكال اللاإنسانية للاعتداء على المدنيين: حيث أسلحة كيميائية وبراميل متفجرة وتكتيك الحصار والتجويع. وفي السجون السورية احتجز نظامه بصورة عشوائية الآلاف من مواطنيه وعذّبهم وأعدم الكثير منهم. وتقدّر الأمم المتحدة بأن ما يفوق 190,000 شخص قد قتلوا في الصراع الذي كان هو من تسبّب في اندلاعه. وفرّ ثلاثة ملايين سوري إلى الدول المجاورة، ومن بينهم 130,000 هربوا إلى تركيا في غضون الأسبوع الماضي فقط. لقد بات واحدٌ من بين كل ثمانية سوريين لاجئا - بزيادة مليون مواطن مقارنة بالعام الماضي.
لا يمكن للأسد أن يكون الأداة لإلحاق الهزيمة بالتطرف. والعمل مع هذا الدكتاتور المتوحش سوف يعزز أفكار ومقولات داعش ويغذي الجنوح نحو التطرف في أوطاننا. لقد فقد شرعيته وكل زعم معقول بأن يكون جزءاً من مستقبل سورية. إنه قطعاً ينتمي إلى ماضي سورية. وإرثه المخزي هو ما هيّأ الظروف التي ترسخ فيها التطرف البربري لتنظيم داعش.
الأسد ليس هو أداة الحل. وكما أن القتال ضد داعش في العراق يجب أن تتولاه الحكومة العراقية، لا بدَّ أن يكون القتال ضد داعش في سورية بقيادة المعارضة المعتدلة التي تعمل يداً واحدة، وتتفق على رؤية لمستقبل بلادها يكون متحررا من طغيان الأسد ووحشية داعش. وهذا هو ما ارتأته عملية جنيف، ولسوف نواصل العمل لتحقيق هذه الرؤية مع ممثل الخاص للأمم المتحدة دي مستورا.
إن دعمنا للمعتدلين سيكون ثابتاً وراسخاً. وهم سيظلون تحت وطأة ضغط شديد. وأرحب هنا بروح الزعامة التي أبدتها الولايات المتحدة في دعمها لهم من خلال برامج تدريب وتجهيز جماعاتهم المسلحة. وسوف يساهم شركاء آخرون بطرق مختلفة، ولكن التنسيق الوثيق سيظل مهماً جداً لتحقيق الحد الأقصى من حجم تأثيرنا الجماعي. وقد خصصت المملكة المتحدة على سبيل المثال 30 مليون جنيه استرليني هذه السنة لدعم المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وتقوية حلفائنا الإقليميين الذين تأثروا نتيجة الصراع في سورية. وساهم دعمنا في مساعدة الشرطة السورية الحرة على إقامة مخافر شرطة في أنحاء المناطق المحرَّرة، ودعم تدريب وتجهيز المتطوعين في محطات الدفاع المدني في أرجاء شمال سورية ليقوموا بأعمال البحث والإنقاذ ومكافحة الحرائق والإسعاف الأولي وإنقاذ الأرواح، وتحسين ظروف حياة مواطني المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة. ويسرني أن أعلن اليوم بأننا سنرصد 16 مليون جنيه آخر لهذا النشاط في سورية والمنطقة مساهمة منا في تعزيز قبضة المعتدلين على المناطق التي يسيطرون عليها من خلال الإدارة الرشيدة والخدمات العامة الجيدة.
لكن ما زال على المجتمع الدولي أن يفعل الكثير. غير أن قدرتنا على العمل سوف تعتمد على المعارضة. حيث عليها أن توحِّد رؤاها السياسية والعسكرية، وتشكل سلسلة قيادة واحدة لها جميعاً، وتبني مؤسسات تكسب بها ثقة السوريين والمجتمع الدولي. ويمكننا جميعاً أن نلعب دوراً حاسماً في هذه العملية بطرق شتى، من أهمها الوسيلة التي نقدم بها دعمنا. وإنني أتطلع قُدُماً إلى الاستماع بعد لحظات لكلمة الرئيس البحره حول رؤيته لبلاده، وأتطلع للعمل معه ومع أصدقاء سورية المجتمعين هنا اليوم لتحويلها إلى حقيقة.
معاً تسنح لنا الفرصة لإظهار أن ما تتميز به المعارضة هو كل ما يفتقده تنظيم داعش والأسد: اعتدال وديموقراطية ومشاركة الجميع دون استبعاد أحد. ومعا علينا تفوق قوى الاعتدال في سورية، لمصلحة البلد والمنطقة والعالم. سيؤدي ذلك إلى دعم ورعاية غير محدوديْن من جانب المجتمع الدولي، وفي مقدمته أصدقاء سورية. وسيحتاج الأمر إلى شجاعة وتصميم ورؤية من الشعب السوري. ولربما استغرق العمل جيلا بكامله، ولكنها مهمّة لم يسبق أن كانت ملحَّةً كما هي اليوم.